أي: لا يذهب لغايةٍ إلّا بالوسيلة الّتي جعلها الله سبحانه وتعالى له، فلقد مكَّن الحقّ عز وجل لذي القرنين في الأرض، وأعطاه من كلّ شيءٍ سبباً، ومع ذلك لم يركن ذو القرنين إلى ما أُعطي، فلم يتقاعس، ولم يكسل، بل أخذ من عطاء الله سبحانه وتعالى له بشيءٍ من كلّ سبب.
وفي هذه الآية القصيرة درسٌ بليغٌ للنّاس جميعاً، وخصوصاً للنّاس المؤمنين الّذين يتوكّلون على الله عز وجل، ويعلمون أنّ التّوكّل على الله سبحانه وتعالى هو ثقةٌ به جل جلاله، لكن لا يمكن أن تتوكّل على الله سبحانه وتعالى من غير أن تأخذ بأسباب الله عز وجل، وألّا تخالف أوامره سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى أمرنا بالعلم، وقال: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: من الآية 114]، وأمرنا بالعمل، فقال: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [التّوبة: من الآية 105]، وأمرنا بالاجتهاد، وفعل الخيرات، فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحجّ: من الآية 77]، ولو أعطانا سبحانه وتعالى من النّعم فتحصيل النّعم لا يكون إلّا بأخذ أسباب الله عز وجل في خلقه، فالّذي يدخل إلى المسجد فيصلّي ويدعو الله سبحانه وتعالى ويقول: يا ربّ ارزقني، من غير عملٍ، فهو يعلم تماماً أنّ السّماء لا تمطر ذهباً ولا فضّة، ولكن رحمة الله سبحانه وتعالى تزيد في رزق المؤمن إذا هو أخذ بأسباب التّمكين والعلم والمعرفة والثّقافة والحضارة والبناء والتّقدّم، هذا هو السّبيل، الأخذ بالأسباب والقوانين، لا يجب أن يسبقنا العالم بالأخذ بقوانين الفيزياء والكيمياء، فأجدادنا كانوا هم من علّموا النّاس العلوم والحضارة، أجدادنا في الأندلس بنوا حضارةً للأمم، وما زالت دراساتهم في الكيمياء والطّبّ والفيزياء تدرَّس، والنّظريات الّتي بناها الغرب بُنيت على دراساتهم وعلى علومهم، لم يقعدوا ويقولوا: إنّ الله سبحانه وتعالى قد ميّزنا بديننا، فلا تمييز إلّا بما تُقدّم من عملٍ وعلمٍ وخدمةٍ للإنسانيّة، عندها ينطبق علينا قوله سبحانه وتعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: من الآية 110].