إنّ نزول القرآن في شهر رمضان أي أنّ الظّرف الزّمانيّ لاستقبال الفيوضات الإلهيّة كان في رمضان، فجُعل رمضان محلّاً للصّيام، لو نزل القرآن في رجب لكان: كتب عليكم الصّيام في رجب، إذاً قيمة رمضان من نزول القرآن فيه، وإنّما كان الصّيام ورمضان إجلالاً لنزول القرآن، فالّذي يصوم ولا يقرأ القرآن ولا يلتفت إلى القرآن ولا يعمل به فليس له من صيامه إلّا الجوع والعطش كما قال نبيّنا صلَّى الله عليه وسلَّم. إذاً الحديث الّذي أَهَّل به النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم المجتمع لقدوم رمضان وقال: فيه ليلة خير من ألف شهر، هذه اللّيلة هي ليلة التّجلّي الإلهيّ لنزول القرآن، لذلك نزلت كوكبة من الملائكة، (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) [القدر].
هذه الآيات المتعلقة بفرضيّة الصّيام في شهر رمضان، وهو شهر الرّحمات والخيرات والبركات، فيه إجابة الدّعاء، شهر الصّبر، شهر المغفرة، شهر الرّحمة، الشّهر الّذي تنزّل فيه القرآن الكريم على قلب سيّد الأنام محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم، ولا شكّ بأنّ فريضة الصّيام تحمل الإنسان على الامتناع عن الطّعام والشّراب، وترك شهوة البطن والفرج، لذلك تحتاج إلى الصّبر، وشهر رمضان هو شهر الصّبر وهو شهر الانتصارات أيضاً، فيه جرت أوّل معركة بين الحقّ والباطل وهي غزوة بدر، وكان فيها النّصر العزيز المؤزّر للإسلام والمسلمين، وفيه فتح المسلمون مكّة المكرّمة.
عندما كلّفنا الله سبحانه وتعالى التّكاليف، كلّفنا ليعطينا وليس ليحرمنا، لذلك في نهاية آيات فريضة الصّوم بيّن الله سبحانه وتعالى بأنّه يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر، فإذا وجدتم تعسيراً في أمر من أمور الدّين، فاعلموا أنّه من اجتهاد الإنسان وليس تنزيلاً من ربّ الإنسان