هذه نسمّيها مشيئةً كونيّةً، هم لم يخرجوا عن مشيئته الكونيّة جلَّ جلاله، لكنّهم خرجوا عن مراده الشّرعيّ، أي بالتّكليف، فعندما يقول المولى سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة]، يمكنك القول: لا أريد الصّيام، فهل المولى جلَّ جلاله هو الّذي قال لك: لا تصم؟ هناك مرادٌ شرعيٌّ لله عزَّ وجلّ، هذا المراد الشّرعيّ ترك الله سبحانه وتعالى لك فيه الخيار، بأن توجّه ما أعطاك إيّاه إمّا باتّجاه الخير وإمّا باتّجاه الشّرّ، فإذا وجّهتهُ باتّجاه الشّرّ عُوقبتَ وحوسبت يوم القيامة، وإذا وجّهتهُ باتّجاه الخير فيكون لك الثّواب، لذلك هم يحاولون أن يلتفّوا على قضيّةٍ في العقيدة وقضيّةٍ في التّكاليف، فقالوا: ﴿وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ﴾ ، فهذا الكلام مردودٌ عليهم.
﴿كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ﴾: أي بهذه الشّبهة ضلّ مَن ضلّ قبل هؤلاء، وهي حجّةٌ داحضةٌ باطلةٌ; لأنّها لو كانت صحيحةً لما أذاقهم الله عزَّ وجلّ بأسه وأليم عذابه جلَّ جلاله.
﴿قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا﴾: هل عندكم علمٌ بأنّ الله تبارك وتعالى راضٍ عنكم فيما أنتم فيه، فتظهروه لنا وتبيّنوه؟.
﴿إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾: الوهم والخيال، والمراد بالظّنّ هنا: الاعتقاد الفاسد.
﴿وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾: تكذبون على الله سبحانه وتعالى فيما ادّعيتموه.