الآية رقم (16) - سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ

أي: سنضربه بالسّيف ضربةً تجعل على أنفه علامةً في أعلى منطقةٍ فيه، هذا الكلام كان في مكّة، ويأتي يوم بدر في المدينة فيجدون الضّربة على أنف الوليد، لقد قالها الله تعالى على لسان رسوله ﷺ في زمنٍ ماضٍ، ويأتي بها الزّمن المستقبل، وعندما تحدث هذه المسألة فالّذين آمنوا بمحمّد ﷺ وبالقرآن الكريم الّذي نزل عليه يتأكّدون من صدق رسول الله ﷺ في كلّ شيء، وها هو سيّدنا عمر رضي الله عنه كان يسمع قول الله عز وجل: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [القمر]، فيقول: أيّ جمعٍ هذا، ونحن لا نقدر أن نحمي أنفسنا؟! وبعد ذلك تأتي غزوة بدر فتثبت له صدق هذا، وصدق قوله تعالى: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ، والعجيب أنّ الآية تنزل وهم لا يستطيعون أن يُدافعوا عن أنفسهم، فلا يمكن أن يُقال: إنّ هناك مقدِّمات لذلك بحيث تُستَنتَج النّتيجة، فالمقدِّمات لا توحي بأيّ نصرٍ، لكنّ ربّنا عز وجل هو الّذي قال، ورأوا صحيحاً أنّ الوليد بن المغيرة ضُرِب على أنفه وتركت الضّربة علامةً عليه؛ لأنّ الّذي قال ذلك من قبل قادرٌ على إنفاذ ما يقول، وحين نزلت الآية: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِفي حقّ الوليد بن المغيرة تساءل بعض المسلمين: هل نحن قادرون على أن نصل إليه؟ وبعد ذلك تأتي غزوة بدر فينظرون إلى أنفه فيجدون السّيف قد خرطه وترك سمةً وعلامةً عليه، فمَن الّذي خرق حجاب الزّمن المستقبل؟ إنّه الله عز وجل، والنّبيّ ﷺ مُبَلِّغٌ عن الله عز وجل، وقد نزل هذا القول في القرآن الكريم: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ في وقت ضعف المسلمين، ثمّ يأتي خبر ضربه على أنفه الّذي هو محلّ الأنفة والكبرياء والعنجهيّة، إنّه كلامٌ إلهيٌّ يُتحدّى به ويُتَعبَّد بتلاوته، وهكذا تصدق كلّ قضيّةٍ يأتي بها الله عز وجل، فالأمر الّذي جرى مع الوليد بن المغيرة كان دليلاً على كذب ادّعائهم أنّ القرآن الكريم أساطير الأوّلين، وهذا من دقّة الأداء القرآنيّ، ويأتي الواقع بما يؤيّد صدق الرّسول ﷺ، وعندما أشار إلى مواقع مصرع القوم في بدر قبل أن تقع المعركة، قال: «هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَداً، هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَداً»([1])، فمن الّذي يتحكّم في مواقع الموت؟ إنّ ذلك لا يتأتّى إلّا من إلهٍ هو الله تعالى، وهو الّذي أخبر محمّداً ﷺ بهذا الخبر.

ونلاحظ أنّ الحقّ تعالى استخدم (السّين) في التّعبير عن المستقبل ولم يستخدم (سوف)، فـ (سوف) فيها تسويفٌ وإمهالٌ وامتداد فترة ما يعدِ الله تعالى بتحقيقه في المستقبل، يقول تعالى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الحجر]، ويقول تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾  [مريم]، وهذا تحقّقه في الآخرة، وهنا يقول تعالى: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ، فاستخدم السّين دلالةً على أنّ العقاب واقعٌ بهم سريعاً.

﴿سَنَسِمُهُ: أي: سنخطمه بالسّيف، فنجعل ذلك علامةً باقيةً وَسِمَةً ثابتة فيه، فسنبيّن أمره بياناً واضحاً ليعرفوه، فلا يخفى عليهم كما لا تخفى السّمة على الخرطوم.

﴿الْخُرْطُومِ: الأنف تعبيراً عن الوجه، والوجه أشرف ما في الإنسان، وعندما يرى الإنسان جبّاراً يشمخ بأنفه ويتكبّر، يقول: أريد أن أكسر أنفه، والخرطوم يُستَعار في أنف الإنسان، وبعض العلماء قال: إنّه في هذه الدّنيا، وقد حلّ به هذا في يوم بدر، وبعضهم قال: إنّ ذلك في عذاب الآخرة.

([1]) مسند أبي داود الطّيالسيّ: أَحَادِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رَبَاحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ t، الْأَفْرَادُ عَنْ عُمَرَ، الحديث رقم (40).

«سَنَسِمُهُ» السين للاستقبال ومضارع ومفعوله والفاعل مستتر

«عَلَى الْخُرْطُومِ» متعلقان بالفعل والجملة استئنافية لا محل لها

{سَنَسِمُهُ} … سَنَجْعَلُ لَهُ عَلَامَةً لَا تُفَارِقُهُ.

{الْخُرْطُومِ} … أَنْفِهِ