تدلّ على أنّه تسبيحٌ على الحقيقة، فكلّ جنسٍ له لغةٌ يسبّح بها، لا يفهمها إلّا من أفاض الله سبحانه وتعالى عليه من نوره وعرفانه، قال سبحانه وتعالى في حقّ داوود عليه السَّلام: ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ﴾ [ص]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ [سبأ: من الآية 10]، فالجبال تسبّح مع داوود عليه السَّلام ومع غيره، ولكن ميّزة داوود عليه السَّلام أنّ الله سبحانه وتعالى أفهمه لغة الجماد، فجعل هذا التّسبيح موافقاً لتسبيح الجمادات ولتسبيح الطّيور، كذلك سيّدنا سليمان عليه السَّلام علّمه الله سبحانه وتعالى لغة النّمل ولغة الطّير، فكان يُخاطبهم ويفهم منهم، فالتّسبيح لغة الكون كما تبيّن الآيات وقول الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾تعني كن منسجماً مع الكون من حولك، ولا تشذّ عن هذه المنظومة المسبِّحة. بعد ذلك نلاحظ أنّ كلّ ما ورد في هذه السّورة إنّما هو حيثيّاتٌ لهذا التّسبيح، وكأنّه يقول لك: سبّح اسم ربك الأعلى؛ لأنّه فعل كذا وكذا خلقاً وتسويةً وتيسيراً لرسول الله سبحانه وتعالى في استقبال الوحي والاحتفاظ بما استقبله.
﴿الْأَعْلَى﴾: الأعلى من كلّ شيءٍ، والأعظم من كلّ شيءٍ، وكلمة الأعلى اسم تفضيلٍ، وقد وصف سبحانه وتعالى نفسه بـ: ﴿الْأَعْلَى﴾بينما وصف بعض خلقه بالعلوّ، كما قال لإبليس -لعنه الله-: ﴿أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ [ص: من الآية 75]، فهو سبحانه وتعالى الأعلى؛ لأنّه خَلق كلّ شيءٍ، وما دام قد خلقَ فلا بدّ أنّه أعلى ممّن خلقهم.