الآية رقم (11) - رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا

فمن نعمة الله عز وجلَّ علينا أنّه أرسل إلينا رسولاً يتلو علينا آياته سبحانه وتعالى، وقد جاء الرّسول ﷺ بآيات مقروءة ليلفت النّاس إلى الآيات المنظورة في الكون، والحقّ سبحانه وتعالى يقول: ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [آل عمران: من الآية 164]، وهناك فرق بين التّلاوة والتّعليم، فالتّلاوة أن يتلو عليهم؛ أي: أنّ الرسول ﷺ هو الّذي يتلو، وأمّا التّعليم فهو أن تعرف معنى آيات الله سبحانه وتعالى وما جاءت به لتطبّقه وتعرف من أين جاءت، والنّبيّ ﷺ علّمهم تلاوة وقراءة القرآن الكريم وعلّمهم معانيه، وعلّمهم الحكمة، وهي السّنّة النّبويّة الشّريفة، الّتي هي البيان، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ [الأحزاب: من الآية 34]، فكتاب الله سبحانه وتعالى المقصود هنا، وآياته هي القرآن الكريم، يقول سبحانه وتعالى: ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ﴾[البقرة: من الآية 252].

﴿مُبَيِّنَاتٍ﴾: بكسر الياء هي رواية حفص وغيره، على صيغة اسم الفاعل؛ أي: أنّ الآيات تبيّن للنّاس ما يحتاجون إليه من الأحكام، أمّا قراءة الجمهور فهي: (مُبيَّنات)، بفتح الياء؛ أي: بيّنها الله عز وجلَّ وأوضحها، كقوله سبحانه وتعالى: ﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ﴾[آل عمران: من الآية 118]، بيّن الله سبحانه وتعالى فيه الحلال والحرام، وقد قال سبحانه وتعالى في آيات أخرى: ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ﴾ [النّور: من الآية 34]، فالله سبحانه وتعالى قد أنزل الآيات الواضحة الّتي تضمن لكم شرف الحياة وطهارتها ونقاء النّسل، وهذه الآيات ما تركت شيئاً من أقضية الحياة إلّا تناولته، وأنزلت الحكم فيه، فلا توجد قضيّة إلّا والتّشريع نظمها، لذلك يقول سيّدنا عليّ كرّم الله وجهه عن القرآن الكريم: قَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «أَلَا إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ»، فَقُلْتُ: مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «كِتَابُ اللهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ»([1])، ومعنى ﴿مُبَيِّنَاتٍ﴾؛ أي: مبيّنات لاستقامة حركة الحياة.

﴿لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾: والرّسول عليه السلام عندما يأتي ليخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور يريد أُناساً تفهم عنه، وتؤمن بالله عز وجلَّ، قال سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [آل عمران: من الآية 164]، فالقرآن الكريم نزل ليُخرِج النّاس من الظّلمات إلى النّور، فيسير النّاس على هدى وعلى بصيرة.

﴿آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾: فلا يوجد إيمان دون العمل الصّالح، والصّالحات: هي جمع صالحة، وهي الأمر المستقيم، والإيمان هو اعتقاد في القلب وسلوك في العمل، فمن ترجم الإيمان إلى عمل، يدخله ربّه جنّات تجري من تحتها الأنهار، هذه الجنّات يكون خالداً فيها، وقد رتّب الحقّ سبحانه وتعالى على الإيمان به سبحانه وتعالى والعمل الصّالح ثواباً في الآخرة، فقال سبحانه وتعالى:

﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾: فالحقّ سبحانه وتعالى مع الحياة الطّيّبة الّتي يمنحها لمن أطاعه بإيمانه وعمله الصّالح فيحيا في الدّنيا حياة مطمئنة بالإيمان، وفي الآخرة يُدخله سبحانه وتعالى جنّات، وليس جنّة واحدة، بل هي جنّات تجري من تحتها الأنهار، فهي تنبع من تحتها.

﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾: فجنّة الآخرة لا تزول عنهم ولا هم يُزَحزَحون عنها، والخلود أبداً هو المكث طويلاً طولاً لا ينتهي، فالمكث في الجنّة ينتقل من المكث طويلاً إلى المكث الدّائم.

﴿قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا﴾: كلمة ﴿رِزْقًا﴾ هنا تذكّرنا بالوعد الّذي قطعه الله سبحانه وتعالى على نفسه العليّة لمن اتّقى الله سبحانه وتعالى، فقال جلّ جلاله: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطّلاق: من الآية 2-3]، فالله سبحانه وتعالى يرزق من يتّقيه في الدّنيا رزقاً واسعاً من حيث لا يظنّ أو يحتسب، ويوسّع له في الجنّات رزقاً بما فيها من المطاعم والمشارب وسائر ما أعدّ لأوليائه في جنّة لا ينقطع نعيمها، فهذا وعد كريم من ربّ رحيم، يعد كلّ من آمن به وعمل صالحاً أن يدخله جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً، قد أحسن الله سبحانه وتعالى له فيها رزقاً، وهو نعيم الجنّة الّذي لا ينفد، ولا ينقطع أبداً، والحقّ سبحانه وتعالى لم يقل هنا: (قد أحسن الله لهم)، بل قال سبحانه وتعالى: ﴿قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ﴾ بالإفراد، دلالة على أنّ لكلّ فرد رزقاً على وجه الخصوص به، لا رزقاً على العموم، والنّاس يتفاوتون في رزق الدّنيا، وأيضاً يتفاوتون في رزق الجنّة من مطاعم ومشارب ومساكن، أمّا الّذي يشتركون فيه جميعاً فهو الخلود في الجنّة، لذلك قال سبحانه وتعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ بالجمع، فالخلود يشمل الجميع.

([1]) سنن التّرمذيّ: أبواب فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل القرآن، الحديث رقم (2906).

«رَسُولًا» مفعول به ولفعل محذوف

«يَتْلُوا» مضارع فاعله مستتر والجملة صفة رسولا

«عَلَيْكُمْ» متعلقان بالفعل

«آياتِ اللَّهِ» مفعول به مضاف إلى لفظ الجلالة

«مُبَيِّناتٍ» صفة

«لِيُخْرِجَ» مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والفاعل مستتر والمصدر المؤول من أن والفعل في محل جر باللام والجار والمجرور متعلقان بيتلو

«الَّذِينَ» مفعول به

«آمَنُوا» ماض وفاعله والجملة صلة

«وَعَمِلُوا» معطوف على آمنوا

«الصَّالِحاتِ» مفعول به

«مِنَ الظُّلُماتِ» متعلقان بيخرج

«إِلَى النُّورِ» متعلقان بيخرج أيضا

«وَ» الواو حرف استئناف

«مِنَ» اسم شرط جازم مبتدأ

«يُؤْمِنْ» مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط والفاعل مستتر

«بِاللَّهِ» متعلقان بالفعل

«وَيَعْمَلْ» معطوف على يؤمن

«صالِحاً» صفة مفعول مطلق محذوف التقدير ويعمل عملا صالحا.

«يُدْخِلْهُ» مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط والفاعل مستتر والهاء مفعول به أول

«جَنَّاتٍ» مفعول به ثان والجملة جواب الشرط لا محل لها وجملتا الشرط والجواب خبر المبتدأ من وجملة من.. استئنافية لا محل لها

«تَجْرِي» مضارع مرفوع

«مِنْ تَحْتِهَا» متعلقان بالفعل

«الْأَنْهارُ» فاعل والجملة صفة

«خالِدِينَ» حال

«فِيها» متعلقان بخالدين

«أَبَداً» ظرف زمان

«قَدْ» حرف تحقيق

«أَحْسَنَ اللَّهُ» ماض ولفظ الجلالة فاعله

«لَهُ» متعلقان بالفعل

«رِزْقاً» مفعول به والجملة حال.