الآية رقم (102) - ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ

﴿فَاعْبُدُوهُ﴾: أي أطيعوه، وطاعة الله سبحانه وتعالى في كلّ عملٍ، فكلّ خيرٍ تؤدّيه في هذه الحياة هو عبادةٌ، تبسّمك في وجه أخيك عبادةٌ وصدقةٌ، إماطة الأذى عن الطّريق عبادةٌ وصدقةٌ، إن أحسنت في عملك فهي عبادةٌ، الفلاح في حقله إن فلح وحصد وزرع وأحسن فهو في عبادةٍ، العامل في مصنعه إذا أحسن فهو في عبادةٍ، الجنديّ في جبهته إن قاتل ودافع فهو في عبادةٍ، إذاً العبادة تشمل كلّ نواحي الحياة، لذلك نقول: العبادة هي منهجٌ، هي طاعةٌ لله سبحانه وتعالى، وليست كما يعتقد بعض النّاس أنّها إقامة أركان الإسلام فقط؛ لأنّ النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «بُني الإسلامُ على خمسٍ: شهادة أنْ لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله، وإقامِ الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، والحجّ، وصوم رمضان»([1])، ولم يقل: إنّ الإسلام هو خمسٌ فقط، شهادتان وصلاةٌ وزكاةٌ وصيامٌ وحجٌّ، هذه أركان.

﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾: الوكيل: الّذي يتصرّف لك بأمورك، لكن هذا يكون وكيلٌ لك، أمّا الله سبحانه وتعالى فيكون وكيلاً عليك، وهذا هو الفارق، فهو يتصرّف بكلّ شيءٍ، وهو فوق كلّ شيءٍ، ويدبّر أمر كلّ شيءٍ في هذه الحياة.


(([1] صحيح البخاريّ: كتاب الإيمان، باب الإيمان وقول النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «بني الإسلام على خمس»، الحديث رقم (8).

ذلِكُمُ: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد والكاف للخطاب والميم لجمع الذكور

اللَّهُ: لفظ الجلالة خبر أول

رَبُّكُمْ: خبر ثان

لا إِلهَ: لا نافية للجنس وخبرها محذوف، إله: اسمها مبني على الفتح في محل نصب

إِلَّا: أداة حصر

هُوَ: بدل من الضمير المقدر في الخبر المحذوف.

وجملة (لا إله إلا هو): خبر ثالث.

خالِقُ: خبر رابع.

كُلِّ: مضاف إليه وهو مضاف

شَيْءٍ: مضاف إليه.

فَاعْبُدُوهُ: الفاء هي الفصيحة التقدير إذا كان الله ربكم خالق كل شيء

اعبدوه: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء في محل نصب مفعول به، والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم.

وَهُوَ: مبتدأ والواو عاطفة

وَكِيلٌ: خبر تعلق به الجار والمجرور قبله «عَلى كُلِّ»

شَيْءٍ: مضاف إليه، والجملة الاسمية معطوفة.

الذي خلق كل شيء وهو بكل شيء عليم: هو الله ربكم، أيها العادلون بالله الآلهة والأوثان, والجاعلون له الجن شركاء, وآلهتكم التي لا تملك نفعًا ولا ضرًا، ولا تفعل خيرًا ولا شرًا

لا إله إلا هو: وهذا تكذيبٌ من الله جل ثناؤه للذين زعموا أن الجن شركاء الله. يقول جل ثناؤه لهم: أيها الجاهلون، إنه لا شيء له الألوهية والعبادة، إلا الذي خلق كل شيء, وهو بكل شيء عليم, فإنه لا ينبغي أن تكون عبادتكم وعبادةُ جميع من في السماوات والأرض إلا له خالصة بغير شريك تشركونه فيها, فإنه خالق كل شيء وبارئه وصانعه, وحق على المصنوع أن يفرد صانعه بالعبادة

فاعبدوه: فذلُّوا له بالطاعة والعبادة والخدمة, واخضعوا له بذلك

وهو على كل شيء وكيل: والله على كل ما خلق من شيء رقيبٌ وحفيظ، يقوم بأرزاق جميعه وأقواته وسياسته وتدبيره وتصريفه بقدرته