الآية رقم (199) - خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ

هذه آية جمع المولى سبحانه وتعالى فيها كلّ مكارم الأخلاق، فمع كلّ الكيد الّذي كادوه للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمره الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بالعفو، ما أجمل هذا الدّين العظيم! وكيف طبّق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما جاء في القرآن الكريم.

﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾: عندما نتحدّث عن خلق العفو، فهذا الخلُق لم يكن موجوداً قبل الإسلام، ليس فقط في شبه الجزيرة العربيّة وإنّما في العالم بمجمله، فقد كان العالم بين صولة الفرس والرّومان وبين عصبيّات وهمجيّات وقتال، لا يعرف أحدٌ معنى كلمة العفو حتّى طبّقها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد أن حوصر وعُذّب هو وأصحابه، وبعد أن طُرد من مكّة المكرّمة، بل بعد كلّ ما جرى من قِبل المشركين، دخل فاتحاً إلى مكّة المكرّمة وعاد إلى وطنه، وها هم عُتلّات قريش الّذين عذّبوه واضطهدوه وآذوه وحاصروه وقتلوا أصحابه يقفون بين يديه منتظرين حكمه فيهم فيقول لهم: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تَرَوْنَ أَنّي فَاعِلٌ بِكُمْ؟»، قَالُوا: خَيْراً، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: «فَإِنّي أَقُولُ لَكُمْ كَمَا قَالَ يُوسُفُ لِإِخْوَتِهِ: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ [يوسف: من الآية 92]، اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطّلَقَاءُ»([1])، عفا عنهم جميعاً.

«خُذِ الْعَفْوَ» فعل أمر ومفعوله والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت. «وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ» فعل أمر تعلق به الجار والمجرور بالعفو فاعله مستتر، والجملة معطوفة ومثلها «وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ» .

الْعَفْوَ: اليسر من أخلاق الناس، ولا تبحث عنها، والمعنى: خذ ما عفا وتيسر من أخلاق الناس.

بِالْعُرْفِ: المعروف.