الآية رقم (21) - ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ

لنتأمّل كلمة الموت نجد فيها أمراً عجيباً يختلف عن سائر كلمات اللّغة العربيّة الأخرى، فالفعل (مات) يُستعمل لازماً ويُستعمل مُتعدّياً، والفاعل لهذا الفعل يأتي مرّةً فاعلاً ومرّةً مفعولاً به، مع أنّ الفاعل للفعل في اللّغة لا يأتي أبداً مفعولاً به، لكن في هذا الفعل نقول مثلاً: مات فلان، ونقول: أمات الله فلاناً، فــ (فلان) أصبح مفعولاً به، وفي الجملة الأولى كان فاعلاً.

والموت يعني انفصال الرّوح عن الجسد ويسمّى وفاةً، قال سبحانه وتعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ [الزّمر: من الآية 42]، فالرّوح وحدها لا يُقال لها: نفسٌ، وكذلك الجسد لا يُقال له: نفسٌ، إذاً النّفس هي المزيج المكوّن بين الرّوح والجسد، فإذا أراد الخالق سبحانه وتعالى أن ينقض هذا البناء وهذا المزيج فصل الرّوح عن الجسد فتحدث الوفاة، وعرفنا في النّحو أنّ الفاعل من قام بالفعل أو اتّصف به، فعندما نقول: مات فلان، هل يعني أنّه أمات نفسه أو أنّ الله سبحانه وتعالى أماته؟ الجواب: هو اتّصف بالفعل وهو الموت، فأخذ مكان الفاعل في ظاهر اللّفظ وإن لم يكن في الواقع فاعلاً، أمّا إن قلنا: انتحر فلانٌ، فهو فاعلٌ؛ لأنّه أمات نفسه، ونقول: قتل فلانٌ فلاناً، هذه صورةٌ ثالثة، وهكذا نرى أنّ إزالة الحياة ونقضها له ثلاثة أحوال: إمّا موتٌ أو قتلٌ أو انتحارٌ، الموت هو الّذي يأتي طبيعيّاً دون تدخّل أحدٍ فيه، أمّا الانتحار فهو أن يستعجل الإنسان أجَلَه فينقض بنيته فتخرج روحه، والواقع أنّ هذا هو أجله، فقد كان سيموت فيه لو لم ينتحر، لكنّه تعجّل ووقع المحظور الّذي نهاه الله سبحانه وتعالى عنه، كذلك حينما يقتل إنسانٌ إنساناً فإنّه ارتكب ما حرّم الله سبحانه وتعالى بنقض بنية القتيل.

ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ: معطوفة على ما قبلها

 

فَأَقْبَرَهُ: جعله في قبر يستره، ويوارى فيه.