تفسير سورة يوسف

القصص القرآنيّ هو أحسن القصص، وقصّة هذه السّورة تتعلّق بسيّدنا يوسف وأبوه سيّدنا يعقوب -عليهما السّلام-، وهما نبيّان من أنبياء الله سبحانه وتعالى، ويعقوب عليه السّلام كان يعيش في أرض كنعان، وكان له اثنا عشر ولداً من أربع زوجات، إحداهنّ هي أمّ يوسف، ومع يوسف أخوه بنيامين من أمّه وأبيه، وقد ذُكِرَت قصّة النّبيّ يوسف عليه السّلام في هذه السّورة كاملةً، بينما ذُكِر في سورة (هود) قصّة هودٍ وصالحٍ وشُعيبٍ ولوطٍ وإبراهيم وموسى عليهم السَّلام، فيورد الله سبحانه وتعالى قصص الأنبياء بعباراتٍ موجزةٍ بليغةٍ تؤدّي الغرض في سياق السّورة الّتي جاءت بها، فإذا جمعنا كلّ المقاطع في سور القرآن الكريم كلّها تتبيّن معنا قصّة موسى عليه السّلام أو إبراهيم عليه السّلام وهكذا، أمّا هنا فقد أفرد القرآن الكريم سورةً خاصّةً لسيّدنا يوسف عليه السّلام وليس هذا تفضيلاً له على سائر الأنبياء عليهم السَّلام، لكن لا شكّ بأنّ هذه القصّة العظيمة شملت أموراً وعِبراً وعِظاتٍ بالغةٍ للإنسانيّة حتّى يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومن عليها، والقصص القرآنيّ يأتي لتثبيت قلب النّبيّ ﷺ ولنأخذ العِبرة ونتمعّن ونتّعظ، ونجد أنّنا هنا أمام مجموعةٍ من حشدٍ كبيرٍ من نماذج الشّخصيّات المختلفة في هذه السّورة، حيث يوجد نموذج يوسف العبد الصّالح الّذي تربّى في بيت النّبوّة، في بيت يعقوب عليه السّلام ويعقوب العبد الصّالح والأب الملهوف الـمُحبّ، ونجد الأخوة والغِيرة والحسد والكيد، ونموذج امرأة العزيز والإغراء والفتنة، ونموذج النّسوة في الطّبقة الغنيّة كيف يكونون، ونموذج العزيز، ونموذج الـمَلِك، فنتمعّن في كلّ شخصيّةٍ، فسورة (يوسف) تمثّل منهجاً كاملاً، ففيها التّوحيد والفقه والحياة السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة.. كلّها مُتكاملةً في سورةٍ واحدةٍ.

ونجد في هذه السّورة من المِحَن صنوفاً متعدّدة، وقد قال النّبيّ ﷺ: «إنّ أشدّ النّاس بلاءً الأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل»([1])، فقد ابتلي النّبيّ يوسف عليه السّلام بمحنٍ كثيرة، محنته مع كيد الإخوة، ومِحنة الجُبّ الّذي أُلقي فيه، ومحنة الرّقّ عندما بيع كبضاعةٍ، ومحنة امرأة العزيز وكيدها، ومحنّة السّجن الّذي وضع فيه، ومحنة العزّ والجاه عندما أصبح عزيز مصر.

([1]) سنن النّسائيّ الكبرى: كتاب الطّبّ، باب أيّ النّاس أشدّ بلاءً، الحديث رقم (7482).