تفسير سورة المسد

تواصل الآيات الكريمة جولتها في خرق حُجُب المستقبل، فبعد أن حدّثنا الله سبحانه وتعالى  عن الكوثر الّذي أعطاه للنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وختم السّورة بأنّ شانئه ومبغضه هو الأبتر، ثمّ حدّثنا عن النّصر الّذي أعطاه للرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم في الدّنيا، كان لا بدّ أن يُعطينا نموذجاً للجانب الآخر، لمن يُبغض النّبيّ، الشّانئ له، فاختار لذلك النّموذج أحد الـمُبغضين لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولدعوته، المصادمين لها من بداية الدّعوة إلى نهايتها، واختاره من أقارب الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم من أهله وأقرب النّاس إليه، وهو عمّه أبو لهبٍ، وأنزل فيه هذه الآيات قرآناً خالداً يُتلى إلى يوم القيامة، وبشّر أبا لهبٍ بالعاقبة الأخرويّة بالعذاب والهلاك وهو ما يزال في الدّنيا، ويمكن أن يؤمن، لكنّ قائل القرآن الكريم الّذي يعلم الغيب، ويكشف لنا حُجُب الزّمن والمستقبل، حكم على أبي لهبٍ بأنّه لن يؤمن، ولن يخطر ببال أبي لهبٍ أن يؤمن؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى  يعلم أنّ أبا لهبٍ لم يكفر فقط بالنّبيّ :، بل تعدّى في كفره هو وزوجته، فأخذ يصدّ النّاس عن دين الله سبحانه وتعالى ، ويقول لهم: لا تصدّقوه.. إنّه كذّاب، يتصادم هذا الرّجل مع النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ويقف ضدّه ويتّهمه بالكذب، حتّى عندما حوصر النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في شِعب أبي طالب لم يخرج من بني هاشم ويقف بجانب المحاصِرين إلّا أبو لهبٍ، فقد عاهد قريشاً على مقاطعة بني هاشم وهو واحدٌ منهم، فجاءت سورة المسد لتُعالج هذه المواقف، وتحكم على أبي لهبٍ هذا الحكم الـمُقدّم عليه وعلى زوجته.