تفسير سورة (الفاتحة)

بعد أن وضعنا الأسس والقواعد الأساسيّة لفهم وتدبّر القرآن الكريم، والآداب المتّبعة عند قراءة وتلاوة وتدريس وتفسير القرآن الكريم، نقف عند قوله سبحانه وتعالى: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾]العنكبوت: من الآية 49[، فلماذا خصّ الله سبحانه وتعالى ﴿الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ؟ لأنّ أهل العلم وحدهم المخوّلون بتفسير القرآن الكريم، وقد حذّر النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام ممّن يقول في القرآن الكريم برأيه.

وديننا دين العلم، فبدأ الإسلام بقوله سبحانه وتعالى: ﴿اقْرَأْ﴾ ]العلق: من الآية 1[، وأمر بالإيمان بقوله سبحانه وتعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾]محمّد: من الآية 19[، ويتوصّل إلى الإيمان بالقراءة والعلم، ولا يكون بالقهر والإجبار، ولا بالإكراه والتّرهيب، وإنّما بالعلم.

وأوّل سورة في ترتيب المصحف الشّريف هي سورة (الفاتحة)، وليست ﴿اقْرَأْ﴾ ، وترتيب المصحف توقيفيّ إلهيّ من الله سبحانه وتعالى عن طريق جبريل u.

وهذا القرآن هو كلام الله سبحانه وتعالى المنزّل على عبده محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم وهو كلام معجز في تلاوته ورسمه ونظمه وترتيبه.

وترتيب الآيات في القرآن الكريم لها علاقة بالقائل، والقائل جلّ شأنه هو الله سبحانه وتعالى، «… وفَضلُ كَلامِ اللهِ على سائرِ الكَلامِ كفَضلِ الله على خَلقِه»([1])، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾]الحشر[، فإذا كان الجماد يخشع فكيف إذا نزل القرآن على قلب بشر؟ سيكون الخشوع أكبر، والاستفادة من كتاب الله أكثر.

فترتيب سورة (الفاتحة) ووصفها له أسرار، وهي السّورة الّتي لا تصحّ الصّلاة بدونها لحديث: «لا صلاة إلّا بأمّ الكتاب»([2])، يكرّرها المصلّي في كلّ ركعة، وهي أمّ القرآن، والأمّ أصل الشّيء، فسورة (الفاتحة) أصل القرآن الكريم. وهي سورة قصيرة تتألّف من سبع آيات.

 


(([1] سنن التّرمذيّ: كتاب فضائل القرآن، باب رقم (25)، الحديث رقم (2926).
(([2] سنن البيهقيّ الكبرى: كتاب الحيض، باب من قال: يقرأ خلف الإمام فيما يجهر فيه بالقراءة بفاتحة الكتاب، الحديث رقم (2762).