﴿انظُرْ كَيْفَ﴾: على أمرٍ لم يأت بعد، لكن الله سبحانه وتعالى ليس لديه زمنٌ، فعندما يتحدّث عن أمرٍ أنّه سيحدث فإنّه حدث، يخرج من الزّمن، مثل قوله جلَّ جلاله: ﴿أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النّحل: من الآية 1]، كيف أتى وأنت تستعجله؟ الجواب: لأنّ الله سبحانه وتعالى عندما يقول: ﴿كُن﴾، فيكون خارج الزّمن، والزّمن مخلوقٌ من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، فعندما يقول: ﴿انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ﴾: أي اعلم يا محمّد كيف كذبوا يوم القيامة، وكأنّه ينظر إلى ذلك. عندما قال للنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ﴾ ]الفجر[، ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾ [الفيل]، هو لم يكن أيّام عادٍ ولا أيّام أصحاب الفيل؛ لأنّه كان في بطن أمّه في عام الفيل، (ألم تر)؛ لأنّ الرّؤية من الحواسّ، وهي أشدّ الحواسّ إثباتاً، أكثر من السّمع، رأيت أم سمعت؟ فعندما يقول المولى سبحانه وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ﴾؛ لأنّ ربّ الحواسّ الّذي خلقها هو أصدق منها، فإخبار الله سبحانه وتعالى لك أصدق من عينيك، لذلك يقول سبحانه وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ﴾، ولو كان القائل غير الله سبحانه وتعالى لقال: (ألم تسمع كيف فعل ربّك بعاد)، (ألم تسمع كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل).
إذاً إخبار الله سبحانه وتعالى أصدق من رؤية عينيك، ومن هنا جاءت هذه الآية: ﴿انظُرْ﴾ أي وكأنّه ينظر.
﴿وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾: أي أنّ شركاءهم والّذين أشركوا فيهم حتّى الحجارة تقول: عبدونا، ونحن عبادٌ لله، فحتّى الحجارة تسبّحه وتعبده سبحانه وتعالى، قال سبحانه وتعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [الإسراء].