الآيات السّابقة كانت تتحدّث عن المحرّمات التي منعها الله سبحانه وتعالى عن المسلمين من الطّعام، وهنا ختام هذه الآيات يقول المولى سبحانه وتعالى:
﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾: أي منذ هذا التّاريخ أحلّ لكم الطّيّبات، وكلّ ما حلّله الله تبارك وتعالى طيّبٌ، وكما قلنا: إنّ الحلال واسعٌ والحرام ضيّقٌ، والقاعدة الفقهيّة تقول: الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نصٌّ بالتّحريم.
﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ﴾: الّذين أوتوا الكتاب لهم صلةٌ بالسّماء فنحن نأكل من طعامهم، ويأكلون من طعامنا، ما لم يكن هناك تحريمٌ من قِبَل الإسلام بالنّسبة لنا، كلحم الخنزير أو غير ذلك فيما ورد فيه نصٌّ بالتّحريم، هذا هو التّعاضد الإيمانيّ، وهذا هو الاتّصال بمن لهم صلةٌ بالسّماء، وإيّاك أن تقاطع أهل الكتاب وتقول: لا آكل من طعامهم، بل كلّ ما هو حلالٌ لنا في طعامهم نأكله، وهذه دعوةٌ إلى العلاقة المتميّزة بين المسلمين وبين أهل الدّيانات السّماويّة بشكلٍ عامّ؛ٍ لأنّها من مشكاةٍ واحدةٍ، ومن ربٍّ واحدٍ، قال سبحانه وتعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾ [الشّورى]، ولا يجوز في أيّ حالٍ من الأحوال أن يكون الدّين سبباً في البغضاء والشّحناء والتّفرقة والتّمزّق، وأهل الرّسالات السّماويّة هم أولى النّاس بالمحافظة على العلاقات الّتي تبني الأسس السّليمة للأخوّة الإيمانيّة، ومن ضمنها يكون العمل الوطنيّ والمواطنة والّتي فيها مساواةٌ بالحقوق والواجبات بين المسلم والمسيحيّ.