الآية رقم (3) - الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ

﴿هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾: مُتردِّدون فيه بين الإقرار والإنكار.

قال العلماء: إنّ هذا الاختلاف هو اختلافٌ ما بين المؤمنين والمشركين، فالنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومن آمن معه يقولون: هناك يومٌ هو يوم الفصل، يومٌ يُحاسِب الله سبحانه وتعالى  الخلائق على ما قدّموه في هذه الدّنيا، ومشكلتنا اليوم وغداً وأمس مع الّذين يناقشون في جزئيّات العقيدة والإيمان، ببساطةٍ أكثر عندما نتحدّث عن الإيمان أو نناقش أحداً حول هذه القضايا يجب أن نأتي أوّلاً إلى القمّة العقيديّة، وهي: الإيمان بالله جلَّ جلاله ، وبعدها نأتي إلى جزئيّات العقيدة؛ لأنّه في عالم الغيب ليس هناك محاكاةٌ تجريبيّةٌ حتّى نُثبِت للإنسان عن ماذا نتحدّث، كالجنّة أو النّار مثلاً.

وجزء (عمّ) يتحدّث بأكمله عن الجنّة والنّار والحساب والثّواب والعقاب، فإذاً الإنسان الّذي أمامك سيُناقِش كثيراً وسيقول لك مرّةً: حورٌ عين!!، ومرّةً: جنّةٌ من أنهار خمر!!، ومرّةً يسألك: كيف سأبقى في الجنّة؟ وهل هناك طعامٌ في الجنّة؟ وهل هناك خلودٌ في الجنّة؟ هل ينام الإنسان في الجنّة؟ هل يقوم؟ هل يقعد؟.. هذه كلّها جزئيّاتٌ عقَديّة، فعندما يتمّ التّطرّق إلى هذا الموضوع يجب أوّلاً أن نعود إلى الأصل، هل أنت تؤمن بالله سبحانه وتعالى أو لا؟ هكذا يكون النّقاش، ولا يكون النّقاش في الجزئيّات؛ لأنّ جزئيّات العقيدة بُنيت أصلاً على أنّ هناك إلهاً، وبما أنّ هناك إلهاً قد أخبرنا بهذه التّفصيلات فإذاً نحن نصدّق ما أخبرنا به جلَّ جلاله ، بعد أن يثبت لنا صحّة هذا الخبر، إذاً أوّلاً الإيمان بالله سبحانه وتعالى  قبل أن نتحدّث عن نعيم الجنّة وعذاب النّار وحميمها وغسّاقها، وعندما ندخل في نقاشٍ يجب أن ننطلق من نقطةٍ نتّفق عليها حتّى نستطيع أن نناقش ما نختلف فيه، أمّا إذا كنّا نختلف في كلّ شيءٍ فلا مجال للنّقاش، وقد تحدّثنا سابقاً بأنّ الإيمان بالله جلَّ جلاله هو أمرٌ غيبيٌّ، لكنّه مُثبتٌ عقليّاً، فالعقل يتعرّف عليه من خلال النّقاش والحوار، فلا يمكن أن يوجد شيءٌ من دون مُوجِدٍ، كما قال الأعرابيّ: “البعرةُ تَدلّ على البعير، والأثرُ يَدلُّ على المسير، فسماءٌ ذاتُ أبراجٍ، وأرضٌ ذاتُ فِجاجٍ، أفلا تدلُّ على العليّ الخبيرِ؟!”، فإن كنّا في المسجد ووقعت محفظةٌ من أحدنا وقام آخر وقال: هذه لي، فإذا سكت الجميع ولم يقولوا: بأنّها لهم، ثبت عقليّاً بالحجّة والبرهان بأنّها له.

الَّذِي: صفة ثانية

هُمْ: مبتدأ

فِيهِ: متعلقان بالخبر

مُخْتَلِفُونَ: والجملة صلة الذي

 

﴿هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾: مُتردِّدون فيه بين الإقرار والإنكار.