الآية رقم (22) - الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ

قوله سبحانه وتعالى: ﴿جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً: أي هيّأ للإنسان من قبل أن يولَد ظروف عيشه وراحته وسعادته، فجعل الأرض مهاداً، وفراشاً، وذلولاً ليعيش عليها الإنسان.

الفراش: المكان الّذي يستريح فيه الإنسان، والمهد الّذي يرتاح فيه الطّفل.. وهذا يعني أنّه هيّأ كلّ المكوّنات الّتي تجعل حياة الإنسان صالحة على الأرض.. فجعلها كرويّة تدور حول نفسها وحول الشّمس، وجعل فيها نسب الهواء المتوازنة، وجعل فيها البحار.. والغلاف الجوّيّ المحيط بالأرض.. وبالاختصار جعل الأرض وما عليها صالحاً لعيش الإنسان ومسخّراً لراحته.

﴿وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء: الماء سبب الحياة، والله خلق الأرض ويشكّل الماء منها ثلاثة أرباع مساحتها.. وذلك كي تتبخّر المياه من مسطّحات مائيّة واسعة تؤدّي إلى تجمّع الغيوم وتشكّل المطر، وخذ مثالاً: عندما نضع الماء في كأس مساحة سطحه صغيرة ونتركه خمسة أيّام نجد أنّ كمية الماء قد نقصت قليلاً، بينما لو سكبت كأس الماء على الأرض لوجدت سرعة التّبخّر أكثر؛ لأنّ السّطح أوسع. قال سبحانه وتعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء: من الآية 30]. وقد جعل الله سبحانه وتعالى في الأرض كلّ مقوّمات الحياة، وخلق السّماء، وكلُّ ما علاك فأظلّك فهو سماء، يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ  [الذّاريات]، أي بنيناها بقوّة، أي متماسكة، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولا[فاطر: من الآية 41]، فيطمئنّ الإنسان لهذا البناء القويّ المتين. وخلق الله سبحانه وتعالى الكون وخلق الأرض، وكانت هناك نظريّة تحدّثت عن خلق الكون، فقالت: إنّ الكون أزليّ، ثمّ ثبت بالعلم القاطع أنّ الكون ليس أزليّاً، بل وُجِد فجأة قبل ثلاثة عشر ملياراً من السّنين، حيث حدث انفجار كونيّ ضخم. فالكون بما فيه من الأرض والسّماء والشّمس والماء والهواء… ليس أزليّاً

الَّذِي: اسم موصول في محل نصب صفة لربكم.

جَعَل: فعل ماض والفاعل مستتر تقديره هو.

لَكُمُ: متعلقان بجعل.

الْأَرْضَ: مفعول به أول.

فِراشاً: مفعول به ثان. وجملة جعل صلة الموصول لا محل لها ويجوز إعراب فراشًا حال إذا كانت جعل بمعنى صيّر.

وَالسَّماءَ بِناءً: معطوفان على الأرض.

وَأَنْزَلَ: الواو عاطفة. أنزل فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو.

مِنَ السَّماءِ: متعلقان بأنزل.

ماء: مفعول به.

فَأَخْرَجَ: فعل ماض معطوف على أنزل.«بِهِ» متعلقان بأخرج. وكذلك «مِنَ الثَّمَراتِ» متعلقان بأخرج، أو بمحذوف حال من رزق.

رِزْقاً: مفعول به.

لَكُمُ: متعلقان بمحذوف صفة لرزق وعلقت من الثمرات بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة.

فَلا: الفاء حرف عطف على جواز عطف الإنشاء على الخبر. لا ناهية جازمة.

تَجْعَلُوا: فعل مضارع مجزوم بحذف النون، والواو فاعل. والجملة جواب شرط غير جازم.

لِلَّهِ: لفظ جلالة مجرور باللام ومتعلقان بحال من أنداداً أو بالفعل تجعلوا.

أَنْداداً: مفعول به. وجملة الشرط المقدر مستأنفة لا محل لها.

وَأَنْتُمْ: الواو حالية. أنتم ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.

تَعْلَمُونَ: فعل مضارع والواو فاعل. والجملة خبر المبتدأ أنتم والجملة الاسمية في محل نصب حال.

فِراشاً: الفراش: البساط للاستقرار، والمراد أنه مهد الأرض للإقامة فيها والاستقرار عليها وذلك مثل المذكور في آيتين أخريين:

(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً) [غافر 40/ 64] (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) [النبأ 78/ 6] . بِناءً سقفاً مرفوعاً مبنياً محكماً.

أَنْداداً: جمع ند وهو النظير، أي أمثالا من الآلهة تعبدونها من دون الله.

والمراد بعبادة المؤمنين: ازديادهم منها وإقبالهم عليها وثباتهم فيها: وأما عبادة الكفار فمشروط فيها ما لا بد لها منه وهو الإقرار

بالشهادتين، وما لا بد للفعل منه فهو مندرج تحت الأمر به، وإن لم يذكر، كما يشترط على المأمور بالصلاة شرائطها من الوضوء

والنية وغيرها.