دائماً سبب النّفاق الأساسيّ أنّ المنافقين يبتغون شيئاً ما، يحصلون عليه ممّن ينافقون لهم، ففي المدينة المنوّرة كانت فئة المنافقين الّذين ينافقون لمشركي مكّة يقولون لهم: نحن معكم ولكنّنا داخل الجسد الإسلاميّ لننقلَ لكم أخبارهم، فكانوا يبدون شيئاً ويكتمون أشياء أخرى في أنفسهم، وقد اتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ابتغاءً للعزّة عندهم، والعزّة متعدّدةٌ: إمّا أن تكون العزّة بالأسباب، أو العزّة بالغنى، أو بالقوّة أو الجاه، فينافق الإنسان طمعاً، أو يُنافق بسبب جهله، فنجد أناساً تُنافق للأغنياء، وأناساً تُنافق لأصحاب السّلطات، وأناساً تُنافق لأصحاب الجاه، وأناساً تُنافق لأصحاب القوّة، ماذا يعني أنّهم ينافقون؟ أي أنّهم لا يقولون الحقيقة، ويبدون غير ما يكتمون، والنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم سهّل لنا مهمّة معرفة المنافقين فقال: «آية المنافق ثلاث، إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان»([1])، وفي روايةٍ: «وإذا خاصم فجر»([2])، فهذه العناصر هي الّتي توضّح طبيعة المنافق، فهو إذا حدّث كذب؛ لأنّه يبتغي العزّة لمن يعتقد أنّه يملك القوّة والجاه والسّلطة، وهو مخطئٌ في ذلك؛ لأنّ الإنسان في الحياة الدّنيا هو من الأغيار، فصاحب السّلطة أو المال أو الجاه أو القوّة اليوم يكون غنيّاً وغداً قد يكون فقيراً، اليوم يكون بصحّة وغداً قد يكون مريضاً، اليوم قد يكون عزيزاً وغداً قد يكون ذليلاً، اليوم قد يكون له منصبٌ وغداً يكون خارج المنصب، بسبب هذه العناصر يبتغي هؤلاء العزّة عند مَن يُنافقون له.
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ: الذين اسم موصول في محل نصب صفة للمنافقين أو بدل
يتخذون: فعل مضارع والواو فاعله والكافرين مفعوله الأول
أَوْلِياءَ: مفعوله الثاني والجملة صلة الموصول.
مِنْ دُونِ: متعلقان بمحذوف حال.
الْمُؤْمِنِينَ: مضاف إليه مجرور بالياء جمع مذكر سالم
أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ؟: فعل مضارع تعلق به ظرف المكان بعده والواو فاعله والعزة مفعوله والجملة مستأنفة
فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً: إن واسمها ولفظ الجلالة مجرور باللام متعلقان بالخبر المحذوف، وجميعا حال والجملة تعليلية
أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ: أولياء جمع ولي: وهو الناصر والمعين، واتخذوهم أولياء لما يتوهمون فيهم من القوة.
أَيَبْتَغُونَ: يطلبون، أي لا يجدونها عندهم.
فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً: في الدنيا والآخرة ولا ينالها إلا أولياؤه