الآية رقم (1) - المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ

﴿ المر ﴾: سبق وتكلّمنا عن الحروف المقطّعة الّتي تبدأ بها بعض سور القرآن الكريم، وهي -كما قلنا- توقيفيّةٌ، وقد ذكرنا أنّ الحروف المقطّعة من المتشابهات في القرآن الكريم؛ لأنّه لا يعلم تأويلها إلّا الله سبحانه وتعالى، وقد قال فيها العلماء أقوالاً كثيرةً، ذكرناها سابقاً، وهذه الأحرف المقطّعة في كتاب الله سبحانه وتعالى فيها أسرارٌ وإعجازٌ وعطاءٌ.

﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ﴾: الكتاب يبدأ من البسملة في أوّل سورة (الفاتحة) إلى نهاية سورة (النّاس)، ونعلم أنّ الإضافة تأتي على ثلاثة معانٍ، فمرّةً تأتي بمعنى (من)، ومرّةً تأتي بمعنى (في)، ومرّةً ثالثةً تأتي بمعنى (اللّام)، وتأخذ شكلين، إمّا أن تكون تعبيراً عن ملكيّةٍ، كقولنا: مال زيدٍ لزيدٍ، أو أن تكون اللّام للاختصاص، كقولنا: لجام الفرس؛ أي أنّ اللّجام يخصّ الفرس، فليس من المعقول أن يملك الفرس لجاماً، فقول الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ﴾؛ أي تلك آياتٌ من القرآن الكريم؛ لأنّ كلمة الكتاب إذا أُطلقت فهي تنصرف إلى القرآن الكريم.

﴿ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ ﴾: إنّ مراد مَن يُخالف الحقّ هو أن يكسب شيئاً من وراء تلك المخالفة، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾]يوسف[، ووصف سبحانه وتعالى القرآن الكريم بقوله: ﴿ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾]يوسف: من الآية 111[، فالحقّ سبحانه وتعالى لا يريد الكسب منّا، لكنّه شاء أن ينزّل هذا الكتاب لنكسب نحن.

الحقّ هو الشّيء الثّابت الّذي لا يتغيّر، ومن أسمائه سبحانه وتعالى الحقّ، وكلّ ما نزل من الحقّ سبحانه وتعالى هو حقٌّ، وكلّ ما يأتي في كتابه سبحانه وتعالى حقٌّ.

﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾: أي أنّ أكثر النّاس لا يؤمنون بأنّ هذا الكتاب نزل إليك من ربّك؛ لأنّهم استسلموا للهوى فأرادوا متاع الحياة الدّنيا، ولم يلتفتوا إلى ما جاء فيه، فهو يعطي خيري الدّنيا والآخرة، وبعضهم يؤمن بأنّ القرآن الكريم هو من عند الله سبحانه وتعالى، لكنّ الإيمان يستوجب فهم مرادات الله عز وجل، ويستلزم وظائف الإيمان؛ لأنّ الإيمان هو عملٌ بمقتضى العقيدة، والقرآن الكريم فيه أساس العقيدة الإسلاميّة الّذي بُنيت عليه أركان الإسلام والإيمان، بأنّه هو الخالق والنّافع والمعطي والـمُحيي والمميت والقادر وأنّه إليه ترجعون وإليه سيكون الحساب فمن هذا المنطلق أكثر النّاس لا يؤمنون، فالإيمان هو ما وقر في القلب وصدّقه العمل، فإذا رأيت الإنسان في حياته لا يمارس حقيقة إيمانه فاعلم بأنّه ينطبق عليه قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾، فليس الّذي لا يؤمن هو فقط مَن يقول صراحةً: أنا لا أؤمن بالله، لكنّه أيضاً الّذي يأخذ كلام الله سبحانه وتعالى ولا يعمل به.

«المر» الحروف النورانية في أوائل السور لا إعراب لها. «تِلْكَ» اسم إشارة في محل رفع مبتدأ واللام للبعد والكاف للخطاب

«آياتُ» خبر والجملة ابتدائية «الْكِتابِ» مضاف إليه

«وَالَّذِي» الواو عاطفة ومبتدأ والجملة معطوفة

«أُنْزِلَ» ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر والجملة صلة

«إِلَيْكَ» متعلقان بأنزل

«مِنْ رَبِّكَ» متعلقان بأنزل

«الْحَقُّ» خبر الذي

«وَلكِنَّ» الواو حالية ولكن حرف مشبه بالفعل

«أَكْثَرَ» اسمها

«النَّاسِ» مضاف إليه

«لا يُؤْمِنُونَ» لا نافية ويعلمون مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة خبر وجملة لكن إلخ في محل نصب على الحال