فمنهج الله سبحانه وتعالى الذي أنزله على رسله عليه السلام قد عرّفنا أنّ الله جل جلاله هو الّذي خلق لنا هذا الكون وخلقنا، ودقّة الخلق وعظمته تدلّ على عظمة الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى يقول هنا: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾، فكما خلق سبع سموات خلق سبع أراض، فحين تكلّم الحقّ سبحانه وتعالى عن الأرض والسّماء قال: إنّها سبع سموات، ولم يقل: سبع أرضين، بل قال: ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾، فدلّ على أنّ الأرض سبع كالسّماء، وإن كانت السّماء كلّ ما أظلّك، فالأرض كلّ ما أقلّك، ولقد أخبرنا القرآن الكريم أنّ السّموات سبع، وأخبرنا النّبيّ ﷺ أنّه مرّ بها في رحلة المعراج، فقال: في الأولى كذا وكذا، وفي الثّانية كذا وكذا، أمّا بالنّسبة إلى الأرض فلم يقل، وهنا تحدّث العلماء كثيراً، فالسّماء سقف، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾[الأنبياء]، وهو سقف من صنع الخالق العظيم، سقف يغطّي الأرض كلّها بلا أعمدة يراها البشر، لذلك قال سبحانه وتعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾[لقمان: من الآية 10]، وقال جلّ جلاله: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا﴾[الملك: من الآية ٣]، سماء فوق سماء، ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾[الملك: من الآية ٣].
﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾: فالله سبحانه وتعالى خلق من الأرض مثل سبع السّموات، ولكن هل وصل العلم لماهيّة هذه الأرضين؟ الجواب: ما زال العلم حتّى الآن عاجزاً عن الإجابة.
﴿يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ﴾: أمر الله سبحانه وتعالى بين السّماء السّابعة والأرض السّابعة، فبين كلّ سمائين -كما قال بعض العلماء- أرض، كيف؟ لا ندري.
والأمر: قد يكون الوحي، وقد يكون القضاء والقدر، وذلك بحياة بعض وموت بعض، وغنى قوم وفقر قوم، ولله سبحانه وتعالى في أمره تدابير، فينزل سبحانه وتعالى المطر، ويُخرج النّبات، ويأتي باللّيل والنّهار والصّيف والشّتاء، وقال بعض العلماء: في كلّ أرض من أرضه وسماء من سمائه خلقٌ من خلقه، وأمرٌ من أمره، وقضاء من قضائه، فالأمر يعمّ الوحي وجميع ما يأمر به سبحانه وتعالى من تصريف الرّياح والسّحاب وغير ذلك من عجائب صُنعه، لا إله غيره.
﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾: فقضاء الله سبحانه وتعالى وأمره يتنزّل بين ذلك، لكي تعلموا أيّها النّاس كُنْه قدرته وسلطانه، وأنّه لا يتعذّر عليه شيء أراده، ولا يمتنع عليه أمر شاءه، ولكنّه سبحانه وتعالى على ما يشاء قدير، فكلّ شيء يدخل في إرادة الله وقدرته جل جلاله، فالله سبحانه وتعالى له ملك السّموات والأرض، وللّه عز وجلَّ طلاقة القدرة في مُلكه.
﴿وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾: فالله سبحانه وتعالى مُدرك للأشياء والخواطر كلّها، فما بالسّمع يسمعه، وما بالعين يراه، وما في الصّدر يعلمه، وما هو في أيّ حِسّ من أحاسيس الإنسان هو عليم به؛ لأنّه أحاط بكلّ شيء علماً، والإحاطة تقتضي العلم والقدرة على النّاس، فلن يُفلِتوا من علم الله سبحانه وتعالى ولا من قدرته، ولا بدّ من العلم مع القدرة، لذلك قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ﴾[الإسراء: من الآية 60]، فإحاطته سبحانه وت عالى بالنّاس تعني أنّه سبحانه وتعالى يعلمهم، ويقدر على تنفيذ أمره فيهم جميعاً.