بعد أن ذكر الله تعالى بعض مواكب الرّسل في إبراهيم وموسى ونوح وصالح وهود ولوط وشعيب -عليهم السّلام-، ثمّ تكلَّم تعالى عن إهلاك الّذين كذّبوا هؤلاء الرّسل: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ﴾، أراد تعالى أن يُسلِّي قلب رسوله ﷺ بأن لا يرهقه، أو يتعب نفسه لموقف الكافرين منه، الّذين يصدّون عن سبيل الله تعالى، ويقفون من الدّعوة موقف العداء، فقال له مُسلِّياً، ولكلّ أمّته من خلال النّبيّ الكريم ﷺ:
﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ : يعني: لِـمَ تحزن يا محمّد ومعك الأُنْس كلّه، الأُنْس الّذي لا ينقضي، وهو كتاب الله تعالى ومعجزته الّتي أنزلها إليك، فاشتغل به، فمع كلّ تلاوة له ستجد سكناً إلى ربّك وحلاوة، وإذا كان هؤلاء الّذين عاصروك لم يؤمنوا به، ولم يلتفتوا إلى مواطن الإعجاز فيه، فداوم أنت على تلاوته عَلَّ الله تعالى يأتي من هؤلاء بذرّيّة تصفو قلوبهم لاستقبال إرسال السّماء، فيؤمنون بما جحد به آباؤهم وأجدادهم، والأمر بالتّلاوة لبقاء المعجزة.
﴿اتْلُ﴾ : اقرأ ولا تعجز ولا تيأس، فالقرآن الكريم سلوة لنفسك؛ لأنّ الّذي يُرسل رسولاً من البشر بشيء أو في أمر من الأمور، ثمّ يُكَذَّب يرجع إلى مَنْ أرسله، فما دام قومك قد كذَّبوك، فارجع إليَّ بأن تستمع إلى كتابي الّذي أنزلتُه معجزة لك تؤيّدك، وانتظر قوماً يأتون يسمعون منك كلام الله تعالى، فيصادف منهم قلوباً صافية، فيؤمنون به، وفَرْقٌ بين الفاعل والقابل، والقرآن الكريم يُوضِّح هذه المسألة، فمن النّاس مَنْ إذا سمعوا القرآن الكريم تخشع له قلوبهم، وتقشعرّ جلودهم، ومنهم مَنْ إذا سمعوه قالوا على سبيل الاستهزاء: ﴿مَاذَا قَالَ آنِفًا﴾ [محمّد: من الآية 16]، تهويناً من شأن القرآن الكريم، ومن شأن سيّدنا رسول الله ﷺ، ثمّ يقرّر القرآن الكريم هذه الحقيقة: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ [فُصّلت: من الآية 44]، فالقرآن الكريم واحد، لكنّ المستقبل للقرآن الكريم مختلف، فالعبرة في صفاء الاستقبال؛ لأنّ الإرسال واحد، وهل نتّهم الإذاعة إنْ كان جهاز الرّاديو عندنا معطّلاً، لا يستقبل إرسالها؟ كذلك مَنْ أراد أن يستقبل إرسال السّماء فعليه أنْ يُعِدّ الأُذُن الواعية والقلب الصّافي غير المشوّش بما يخالف إرسال السّماء، فقوله تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ ، هذه هي ميْزة معجزتك يا محمّد أنّك تستطيع أنت وأمّتك أنْ تكرِّرها في كلّ وقت، وأن تتلوها كما تشاء، وأن يتلوها بعدك مَنْ سمعها، وستظلّ تتردّد إلى يوم القيامة، وسيبقى القرآن الكريم معجزاً إلى يوم الدّين، أمّا معجزات الرّسل السّابقين فكانت خاصّة بمَنْ شاهد المعجزة، فإذا مات مَنْ شهدها فلا يعرفها أحد بعدهم حتّى لو كان معاصراً لها ولم يَرَهَا، فالّذين عاصروا مثلاً انقلاب عصا موسى حيّة ولم يشاهدوا هذا الموقف، ماذا عندهم من هذه المعجزة؟ لا شيء إلّا أنّنا نُصدِّقها ونؤمن بها؛ لأنّ القرآن الكريم أخبرنا بها، لذلك ننصح أنفسنا وننصح النّاس جميعاً أن يتلوا كلّ صباح ولو صفحة واحدة أو ما يتيسّر لهم، أن يبقوا على اتّصال مع ربّهم، أن يسمعوا من ربّهم، أن يتحدّثوا إلى ربّهم، أن يجلوا من قلوبهم الدّرن، أن يأخذوا العطاء والرّحمة والشّفاء من خلال: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ ، يقول ﷺ: «مَنْ قَرَأَ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الْـم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ»([1])، فبمجرّد قراءتنا للقرآن الكريم هناك أبواب تتّصل بالسّماء قد فُتِحَت، فعلينا ألّا نجعل القرآن الكريم مهجوراً بالنّسبة إلينا؛ لأنّ العتاب الّذي ورد فيه على لسان النّبيّ ﷺ الّذي يجب أن نسمعه الآن قبل أن نسمعه في الآخرة: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان]، فالعتاب الأعظم من سيّدنا رسول الله ﷺ لنا وبهجراننا لقرآننا الكريم، فعلينا أن نتمسّك بتلاوة القرآن الكريم، فلا أصدّق أنّ بين يدي الإنسان وفي قلبه وفي بيته وفي مكتبه وفي سيّارته وفي عمله مصاحف لا يفتحها إلّا في رمضان، فأهمّ نقطة ألّا تخرج من بيتك عندما تقوم بعد صلاة الفجر إلّا وقد قرأت من القرآن الكريم ولو صفحة واحدة، وقارِن حالك قبل القراءة وبعد القراءة، فعندما يهمّ الإنسان أمر فليلجأ إلى القرآن الكريم وإلى الصّلاة، وهنا يقول بعد الأمر بتلاوة القرآن الكريم:
﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ﴾ : ومعلوم أنّ ﴿اتْلُ﴾ : التّلاوة قَوْل من فعل اللّسان، ﴿وَأَقِمِ﴾ : من فعل الجوارح، والإنسان له جوارح متعدّدة اشتهر منها خمس هي: العين للإبصار، والأُذُن للسّمع، والأنف للشّمّ، واللّسان للتّذوّق، والأنامل للَّمس، لكن، لماذا اختار الله تعالى الصّلاة من بين أعمال الجوارح؟ قال العلماء: لأنّها قمّة العمل كما جاء في الأثر: “الصّلاة عماد الدّين”، وبها نُفرِّق بين المؤمن وغير المؤمن، والمحافظة على الخشوع فيها، قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون]، رَأَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رَجُلاً وَهُوَ يَعْبَثُ بِلِحْيَتِهِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: «لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا، لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ»([2])، ويبقى السّؤال: لماذا أخذتْ الصّلاة هذه المكانة من بين أركان الإسلام؟ ذكرنا سابقاً ونكرّر القول بأنّ الإسلام شيء، وأركانه شيءٌ آخر، قال ﷺ: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ»([3])، هذه أركان الإسلام، والّذين يحبّون أن يعزلوا الإسلام عن حركة الحياة، يقولون: هذا هو الإسلام، فقط صلاة وصوم وحجّ وزكاة، أمّا الإسلام حقيقةً فيشمل كلّ شيء في حياتنا، بداية من قمّة العقيدة في قولنا: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله، إلى إماطة الأذى عن الطّريق؛ لأنّ الإسلام دين يستوعب أقضية الحياة كلّها، كيف لا وهو يُعلِّمنا أبسط الأشياء في حياتنا، نعود إلى مكانة الصّلاة بين العبادات، ولماذا كانت هي عماد الدّين، ومعنى: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ»([4])، أنّ هذه هي أُسُسه وقواعده، وحين نتتبّع هذه القواعد نجد أنّ الرّكن الأوّل، وهو أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله، يمكن أن أقوله ولو مرّة واحدة، أمّا الزكاة فلا تجب مثلاً على الفقير، وكذلك المريض لا يصوم، والمسافر والحائض.. إلخ، وكذلك الحجّ غير واجب إلّا على المستطيع، فما هو الرّكن الثّابت الّذي يلازم كلّ مسلم، ولا يسقط عنه بحال؟ إنّها الصّلاة، لذلك أخذتْ مساحة كبيرة من الوقت على مدى اليوم واللّيلة، وبها يكون إعلان استدامة الولاء لله تعالى، فقد نرى شخصاً مثلاً لا يصوم أو لا يزكّي أو لا يحجّ، فنقول: ربّما يكون من أصحاب الأعذار، ومن غير القادرين، لكن حين نرى شخصاً لا يُصلِّي، وقد تكرَّر منه ذلك فإنّنا لا بُدَّ أن نقف هنا، لذلك استحقّت الصّلاة هذه المكانة بين سائر العبادات منذ بدايات التّشريع، ألا ترى أنّ فرائض الدّين كلّها شُرعت بالوحي عن طريق جبريل عليه السلام إلّا الصّلاة، فقد شُرعت بالخطاب المباشر من الله تعالى لنبيّه محمّد ﷺ في رحلة المعراج.
﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ﴾ : إقامة الشّيء: أداؤه على الوجه الأكمل الّذي يؤدّي غايته، فالصّلاة المطلوبة هي الصّلاة المستوفاة الشّروط، والّتي تُقيمها كما يريدها مُشرِّعها تعالى.
﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ : والصّلاة إذا استوفتْ شروطها نهتْ صاحبها عن الفحشاء والمنكر، قال ﷺ: «مَنْ لَـمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، لَـمْ يَزْدَدْ مِنَ اللهِ إِلَّا بُعْداً»([5])، فإذا رأيتَ صلاة لا تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، فاعلم أنّها ناقصة عمّا أراده الله تعالى لإقامتها، وعلى قَدْر النّقص تكون ثمرة الصّلاة في سلوك صاحبها، وكأنّ وقوع الإنسان في بعض الفحشاء والمنكر يُعَدُّ مؤشّراً دقيقاً لمدى إتقانه لصلاته وحرصه على تمامها وإقامتها، ومعنى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ أنّ الأمر ليس أمراً كونيّاً ثابتاً لا يتخلّف، بل هو أمر تشريعيّ، وقد فرّقنا بينهما سابقاً، والأمر التّشريعيّ عُرْضة أنْ يُطاع، وعُرْضة أنْ يُعصى، فلو كان الأمر كونيّاً ما جرؤ صاحب صلاة على الفحشاء والمنكر، وكذلك الأمر في: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ ، فالصّلاة تشريع من الله تعالى، فإذا كان الله تعالى هو المشرِّع، وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ [النّحل: من الآية 90]، يعني: لا يوجد معها فحشاء ولا منكر، وهذا أيضاً صحيح؛ لأنّني حين أدخل في الصّلاة بتكبيرة الإحرام فإنّ هذه التّكبيرة تحرّم عليَّ كلّ ما كان حلالاً لي قبل الصّلاة، ففي الصّلاة مثلاً لا آكل ولا أشرب ولا أتحرّك، مع أنّ هذه المسائل كانت حلالاً قبل الصّلاة، فيجب أن يكون استطراق هذا الأمر خارج الصّلاة، وهو ترك المحرّمات، فالصّلاة بهذا المعنى تمنعنا من الفحشاء والمنكر في وقتها؛ لأنّ تكبيرة الإحرام (الله أكبر) تعني أنّ الله أكبر من كلّ شيء في الوجود، حتّى من شهوات النّفس ونزواتها، وإلَّا فكيف نقيم أنفسنا بين يدي ربّنا تعالى، ثمّ نخالف منهجه؟ فالصّلاة بهذا المعنى تنهى على حقيقتها عن الفحشاء والمنكر، ومعنى: ﴿الْفَحْشَاءِ﴾ : كلّ ما يُسْتفحش من الأقوال والأفعال، ﴿وَالْمُنْكَرِ﴾ : كلّ شيء يُنكره الطّبع السّليم.
﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ : ذكر: مصدر، والمصدر يُضاف إلى الفاعل، مثل: أعجبني ضَرْب الأمير لزيد، ويُضاف للمفعول، مثل: أعجبني ضَرْب زيد من الأمير، فحين تقول: ذكر الله، يصحّ أن يكون المعنى: ذِكْر صادرٌ من الله تعالى، أو ذِكْر صادر من العبد لله عزَّ وجل.
فإنْ قلتَ: ذِكْر صادر من الله تعالى؛ أي: للمصلِّي، فحين يصلّي الإنسان، ويذكر الله تعالى بالكبرياء في قوله: (الله أكبر)، ويُنزِّهه بقول: سبحان الله، ويسجد له سبحانه ويخضع، فقد فعلتَ فِعْلاً ذكرتَ الله تعالى فيه ذِكْراً بالقول والفعل، والله عزَّ وجل يجازيك بذكرك له بأن يذكرك، فالذّكر ذكر من الله تعالى لمن ذكره في صلاته، ولا شكَّ أنّ ذكر الله تعالى لنا أكبر، وأعظم من ذِكْرنا له تعالى؛ لأنّه في ذكره لنا عطاء لنا، والذّكر أن يكون الله تعالى في البال وليس في دائرة النّسيان، فعندما تقرأ القرآن الكريم تكون ذاكراً.
المعنى الآخر: أن يكون الذّكْر صادراً من العبد لله تعالى، يعني: ولذكْر الله تعالى خارج الصّلاة أكبر من ذِكْر الله عزَّ وجل في الصّلاة، كيف؟ قالوا: لأنّك في الصّلاة تُعِدّ نفسك لها بالوضوء، وتتهيّأ لها لتكون في حضرة ربّك بعد تكبيرة الإحرام، فإذا ما انتهتْ الصّلاة وخرجتَ منها إلى حركة الحياة فذِكْرك لله تعالى وأنت بعيد عن حضرته ومشغول بحركة حياتك أعظم وأكبر من ذِكْرك في الحضرة، ومثال ذلك -ولله تعالى المثل الأعلى- مَنْ يمدح إنساناً ويُثني عليه في حضرته، ومَنْ يمدحه في غيبته، فأيُّهما أحلى، وأيُّهما أبلغ وأصدق في الذّكْر؟ ورُوِي عن عطاء بن السّائب أنّ ابن عبّاس سأل عبد الله ابن ربيعة: ما تقول في قوله تعالى: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ ؟ فقال: قراءة القرآن حَسَن، والصّلاة حسن، وتسبيح الله حسن، وتحميده حسن، وتكبيره حسن, والتّهليل له حسن، لكن أحسن من ذلك أن يكون ذِكْر الله عند طروق المعصية على الإنسان، فيذكر ربّه، فيمتنع عن معصيته، فماذا قال ابن عبّاس رضي الله عنهما -مع أنّ هذا القول مخالف لقوله في الآية-؟ قال: عجيب والله، فأعجب بقول ابن ربيعة، وبارك فهمه للآية، ولم ينكر عليه اجتهاده؛ لأنّ الإنسانَ طبيعيّ أن يذكر الله تعالى في حال الطّاعة، فهو متهيّئ للذّكْر، أمّا أنْ يذكره حال المعصية فيرتدع عنها، فهذا أقْوى وأبلغ، وهذا أكبر كما قال تعالى: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ ، لذلك جاء في الحديث الشّريف: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ»، ومنهم: «وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ»([6])، هذا هو ذِكْر الله تعالى الأكبر؛ لأنّ الدّواعي دواعي معصية، فيحتاج الأمر إلى مجاهدة تُحوِّل المعصية إلى طاعة.
أمّا قول ابن عبّاس رضي الله عنهما في: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ أنّ ذِكْر ربّكم لكم بالثّواب والرّحمة أكبر من ذِكْركم له بالطّاعة، وحيثيّات هذا القول: أنّ ربّك تعالى لم يُكلِّفك إلّا بعد سِنِّ البلوغ، وتركك تربَع في نعمه خمسة عشر عاماً دون أنْ يُكلّفك، ثمّ يُوالي عليك نِعَمه، ولا يقطع عنك مدده حتّى لو انصرفتَ عن منهجه، بل حتّى لو كفرتَ به لا يقبض عنك يد عطائه ونعمه، فذِكْر الله تعالى لنا بالخَلْق من عدم، والإمداد من عُدم، وموالاة نِعَمه علينا أكبر من ذِكْرنا له بالطّاعة.
﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ : هذه الكلمة نأخذها على أنّها بشارة للمؤمن، ونذارة للكافر، كما نقول للتّلاميذ يوم الامتحان: سينجح المجتهد منكم، فهي بشارة للمجتهد، وإنذار للمهمِل، فالجملة واحدة، والإنسان هو الّذي يضع نفسه في أيّهما يشاء.
([1]) سنن التّرمذيّ: أبوابُ فضائلِ القرآنِ، بابُ ما جاءَ فيمَنْ قرأ حرفاً من القرآنِ مَالَهُ من الأجرِ، الحديث رقم (2910).
([2]) مصنّف ابن أبي شيبة: كتابُ صلاةِ التَّطوُّعِ والإمَامَةِ وأبوابٌ متفرِّقةٌ، في مَسِّ اللِّحْيَةِ في الصَّلاةِ، الحديث رقم (6787).
([3]) صحيح البخاريّ: كتابُ الإيمانِ، بابُ قَوْلِ النّبيِّ ﷺ: «بُنِيَ الإسلَامُ على خمسٍ»، الحديث رقم (8).
([4]) صحيح البخاريّ: كتابُ الإيمانِ، بابُ قَوْلِ النّبيِّ ﷺ: «بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ»، الحديث رقم (8).
([5]) المعجم الكبير للطّبرانيّ: باب العين، طَاوُسٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، الحديث رقم (11025).
([6]) صحيح البخاريّ: كتابُ الزَّكاةِ، بابُ الصَّدقةِ باليمينِ، الحديث رقم (1423).