﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ﴾: كلمة ﴿هَؤُلَاءِ﴾ هنا تعود على الكافرين الّذين قال الله تعالى فيهم هنا في أوّل السّورة: ﴿وَإِمَّا كَفُورًا (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا﴾، ونلحظ أنّ الحقّ تعالى بعد هذه الآية الرّابعة لم يذكرهم، بل ذكر الأبرار، وذكر جزاءهم وثوابهم وأعمالهم الّتي اقتضت هذا الثّواب، حتّى جاءت الآية (24) فقال تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾، فكلمة ﴿هَؤُلَاءِ﴾ تشير إلى هذا الآثم أو الكفور، ويصفهم الله تعالى أنّهم: ﴿يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ﴾، والعاجلة هي الدّنيا، وصفها الله تعالى بصفةٍ من صفاتها من النّعيم العاجل المتعجّل، فالكافرون إنّما يريدون العاجلة المنتهية، فهم طالبو دنيا لا طالبو آخرة، والإنسان لا بدّ أن ينظر إلى حياته العاجلة في الدّنيا وشهواتها، ولكنّ الحقّ تعالى قال: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص: من الآية 77]، وإذا كان ربّنا عز وجل يوصينا بأن نبتغي الآخرة فهذا لا يعني أن نترك الدّنيا ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص: من الآية 77]، فنصيبنا من الدّنيا هو الحسنة الّتي تبقى لنا وتظلّ معنا وتصحبنا بعد الدّنيا إلى الآخرة، والمشكلة أنّ الكافر أو الفاجر أو الظّالم يظنّ أنّه لا عقاب ولا حساب، أو لا يستحضر عذاب الله عز وجل، لذلك تجدهم: ﴿وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا﴾؛ أي: يذرون وراءهم يوماً عسيراً شديداً، فيتركونه فلا يؤمنون به، ولا يهتمون لوقوعه، فقد تركوه من كلّ وجه، فهو يومٌ ثقيلٌ على الكافرين إذا حشروا وإذا وقفوا للحساب، وقد يسأل سائل: لماذا قال تعالى: ﴿وَرَاءَهُمْ﴾، ويوم القيامة يومٌ سيأتي، فهو أمامنا؟ بعضهم قال: ويذرون وراءهم عملَ يومٍ ثقيل؛ أي: لا يعملون للآخرة، وكلمة وراء أيضاً مشتقّة من توارى، والشّيء المتواري عنك يقع لما بين يديك وما خلفك، فيقع لما هو أمامك أو لما هو وراءك، ثمّ إنّ يوم القيامة وراءهم يطلبهم مهما طالت أعمارهم، فهم تركوه وتركوا العمل به، ولكنّه يطلبهم وليسوا بفارّين منه، ولا بدّ أنّه سيلحقهم ويجدونه أمامهم فيقع بهم الحساب والعقاب.
«إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ» إن واسمها ومضارع مرفوع والواو فاعله
«الْعاجِلَةَ» مفعول به والجملة الفعلية خبر إن والجملة الاسمية تعليل،
«وَيَذَرُونَ» مضارع وفاعله
«وَراءَهُمْ» ظرف مكان
«يَوْماً» مفعول به
«ثَقِيلًا» صفة يوما والجملة معطوفة على ما قبلها.