الآية رقم (6) - إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا

ففي الوقت الّذي ينام فيه النّاس ويخلدون إلى الرّاحة وتتثاقل رؤوسهم عن العبادة، يقوم ﷺ بين يدي ربّه مُناجياً مُتضرِّعاً، فتتنزّل عليه الرّحمات والفيوضات، فَـمَنْ قام من النّاس في هذا الوقت واقتدى برسولنا ﷺ فله نصيبٌ من هذه الرّحمات، وحظٌّ من هذه الفيوضات، ومَنْ تثاقلت رأسه عن القيام فلا حظَّ له، ففي قيام اللّيل قوّة إيمانيّة وطاقة روحيّة، ولـمّا كانت مهمّة الرّسول فوق مهمّة الخَلْق كان حظّه من قيام اللّيل أزيد من حظّهم، فأعباء الرّسول ﷺ كثيرة، والعبء الثّقيل يحتاج الاتّصال بالحقّ الأحد القيّوم، حتّى يستعين بلقاء ربّه على قضاء مصالحه.

﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا﴾: هي ساعاته، وكلّ ساعة منها ناشئة؛ لأنّها تنشأ عن الّتي قبلها، فكلّ صلاة بعد العشاء الآخرة هي ناشئة اللّيل، وقد تُنسَب النّاشئة إلى قائم اللّيل نفسه، فهو الّذي يُنشئ عبادته اللّيليّة لله عز وجل، في أيّ ساعة من ساعات اللّيل، فالله تعالى في بداية السّورة أعطى قائم اللّيل ثلاثة اختيارات، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾.

﴿هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا﴾: من المواطأة، فساعات اللّيل أكثر موافقة لكي تُصَلّي وتقترب فيها من الله تعالى من ساعات النّهار، فالقلب يكون أفرغ في اللّيل لإدراك وتأمّل الآيات وتدبّر معانيها، وكذلك السّمع والبصر يكون أحفظ للقرآن الكريم، وقد تكون ﴿وَطْئًا﴾ بمعنى الوطأة، كالوطء بالأقدام، فقيام اللّيل أشدّ على البدن وأصعب؛ لأنّ اللّيل هو وقت راحة الإنسان.

﴿وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾: فترتيل القرآن الكريم وقراءتُه أصوب قراءةً وأصحّ قولاً من النّهار لهدأة النّاس وسكون الأصوات، إنّه خير ما تقرأه في ليلك، وأصوب ما ينطقه اللّسان بعيداً عن الرّياء، وملاحظة نظر الآخرين.

«إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ» إن واسمها المضاف إلى الليل

و «هِيَ أَشَدُّ» مبتدأ وخبره والجملة خبر إن والجملة الاسمية إن ناشئة.. تعليل لا محل لها

و «وَطْئاً» تمييز

«أَقْوَمُ» معطوف على أشد

و «قِيلًا» تمييز.