الآية رقم (54) - إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ

﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ﴾: ما الفارق بين الرّبّ والإله؟ والجواب: الرّبّ هو المعطي، هو المنعم، والإله هو الّذي يعطي الأوامر للعبادة والتّكليف؛ افعل ولا تفعل، هذا حلالٌ وهذا حرامٌ، الله سبحانه وتعالى الّذي ربّاكم وأنعم عليكم وخلقكم وأمركم بعبادته.

﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾: يبيّن المولى سبحانه وتعالى الظّرف الّذي يوجد فيه الإنسان، ظرف المكان وهو السّماوات والأرض، إنّ ربّكم الله عزَّ وجلّ الّذي خلق: أي أوجد من عدمٍ على غير مثالٍ سابقٍ، يقول الإنسان بأنّه خلق هذه المحفظة أو خلق هذه الطّاولة، ونردّ عليه بقولنا: هي لم تكن من عدمٍ وأُوجِدت، وإنّما هناك خشبٌ وزجاجٌ فجمعت المواد الأوّليّة وأصبحت طاولةً، فلا تسمّى خلقاً، إنّما صنعاً، هناك فارقٌ، بينما الخلق هو إيجادٌ من عدمٍ على غير مثالٍ سابقٍ، أي ليس هناك تصوّرٌ في الذّهن ماذا سيكون هذا المثال، أنت تصنع كوباً ثمّ أكواباً أخرى على مثاله، أمّا أن تخلق من غير مثالٍ سابقٍ فهذه للخالق وحده جلَّ جلاله، لذلك هذا يسمّى خلقاً، كخلق السّماوات والأرض.

﴿السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾: جمع السّماوات وأفرد الأرض، والسّماء هي كلّ ما علاك فأظلّك، بعض النّاس يعتقد أنّ السّماء هي هذا الغلاف الجويّ، أو أنّها هي الكواكب والنّجوم والشّمس والقمر، والصّحيح أنّ السّماء فراغٌ كبيرٌ خُلِق في ستّة أيّام، فالله سبحانه وتعالى خلق السّماوات والأرض في ستّة أيّامٍ، وقد قلنا سابقاً: بأنّ الله سبحانه وتعالى يخلق بكلمة: ﴿كُن﴾، وليس بالعلاج، فكيف هنا يقول: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾؟ الله سبحانه وتعالى خلق السّماوات والأرض بالكلمة كُن ، ولكنّه سبحانه وتعالى أراد أن تتعلّق أمور الدّنيا كلّها بالأسباب والمسبّبات، فترك لها ستّة أيامٍ، وكان المولى سبحانه وتعالى يستطيع أن تكون الأرض والسّماوات جاهزةً بكلمة ﴿كُن﴾ ، فالله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى زمنٍ، فعندما نقول: ﴿خَلَقَ﴾ أي أنّه خلق وترك الأمر للأسباب حتّى تكون الدّنيا دنيا أسباب.

إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ: إن واسمها ولفظ الجلالة خبرها.

الَّذِي: اسم موصول في محل رفع صفة.

خَلَقَ السَّماواتِ: فعل ماض ومفعوله

وَالْأَرْضَ: عطف

فِي سِتَّةِ: متعلقان بالفعل خلق

أَيَّامٍ: مضاف إليه.

ثُمَّ: عاطفة

وجملة (اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ): معطوفة،

يُغْشِي: فعل مضارع.

اللَّيْلَ: مفعول به أول

النَّهارَ: مفعول به ثان والجملة في محل نصب حال

وكذلك جملة (يَطْلُبُهُ حَثِيثاً): حال.

وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ: عطفت على السموات والأرض …

مُسَخَّراتٍ: حال منصوبة بالكسرة لأنها جمع مؤنث سالم.

بِأَمْرِهِ: متعلقان بمسخرات

أَلا: أداة استفتاح.

لَهُ: متعلقان بمحذوف خبر مقدم.

الْخَلْقُ: مبتدأ

وَالْأَمْرُ: عطف

تَبارَكَ اللَّهُ: فعل ماض جامد ولفظ الجلالة فاعله.

رَبُّ: صفة أو بدل

الْعالَمِينَ: مضاف إليه مجرور بالياء، والجملتان مستأنفتان.

إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ: الرب: هو السيد المالك المدبر والمربي، واللَّهُ: اسم الذات الأقدس خالق الخلق أجمعين، والإله: هو المعبود المرتجى لجلب النفع وكشف الضر، ويتقرب إليه بما يرضيه من العبادة والدعاء. وليس للمؤمنين الموحدين سوى إله واحد ورب واحد هو الله عز وجل. وأكثر المشركين يقولون: إنه أعظم الآلهة، وكان مشركو العرب لا يعترفون برب سواه، وإنما يعبدون آلهة تقربهم إليه

السَّماواتِ وَالْأَرْضَ: المراد بهما العالم العلوي والعالم السفلي، ولم يرد خبر ببيان حقيقتهما.

فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ: جمع يوم، وهو الوقت المحدود بطلوع الشمس إلى غروبها، والمراد بالأيام الستة: أنها من أيام الدنيا، أي في قدرها، لأنه لم يكن ثمّ شمس، ولو شاء لخلقهن في لمحة، والعدول عنه لتعليم خلقه التثبت.