الآية رقم (12) - إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾: الخشية لله سبحانه وتعالى وحده، والمؤمن لا يخشى بشراً؛ لأنّه يعلم أنّ القوّة لله جميعاً، ولذلك فإنّه يقدم على أيّ عملٍ بقلبٍ لا يهاب أحداً إلّا الحقّ سبحانه وتعالى، والخشية تكون لله جل جلاله، فإن خفتم فخافوا الله عز وجل، وحافظوا على تنفيذ منهجه.

والخشية خوفٌ متوهّم ممّن تظنّ أنّه قادرٌ على الضّرّ، ولا أحد غير الله جلّ وعلا قادرٌ على النّفع والضُّر.

﴿ بِالْغَيْبِ ﴾: أي: أنّهم يخافون الله سبحانه وتعالى مع أنّهم لا يرونه بأعينهم، إنّما يرونه في آثار صنعه.

أو: بالغيب يعني الأمور الغيبيّة الّتي لا يشاهدونها لكن أخبرهم الله سبحانه وتعالى بها، فأصبحت بعد إخبار الله عز وجل كأنّها مشهدٌ لم يروها بأعينهم.

أو: يكون المعنى: يخشون ربّهم في خلواتهم عن الخَلق، فمهابة الله سبحانه وتعالى والأدب معه تلازمهم حتّى في خلوتهم وانفرادهم، على خلاف مَن يُظهر هذا السّلوك أمام النّاس رياءً.

هؤلاء الّذين يخافون الله سبحانه وتعالى ويخشونه بالغيب:

﴿ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾: فخشية الإنسان واستحضاره لعقاب الله عز وجل وتمثّله ثواب الله جل جلاله ومراقبة الله عز وجل هي الضّمانة، تؤدّي به إلى أن يكون خاشعاً صائماً متصدّقاً صادقاً صابراً، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب]، فبعد هذه الصّفات يحتاجون إلى المغفرة، ويطهّرهم الله سبحانه وتعالى من أدران الذّنوب كلّها قبل أن يأخذوا أجرهم، فالحقّ سبحانه يزيل الذّنوب أوّلاً بالمغفرة. وهو (أجرٌ عظيم) و(أجرٌ كبير)، وكلّ أجرٍ على عمل يأخذ وقته وحيّزه الزّمنيّ، فأجر الإنسان على عمله في الدّنيا يذهب ويزول؛ لأنّ الإنسان نفسه يذهب إلى الموت، أمّا أجر الآخرة فهو الباقي أبداً، وهو أجرٌ لا يفوت الإنسان ولا يفوته الإنسان، ذلك هو الأجر العظيم، فلا شيء يضيع عند الله عز وجل، يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ﴾  [المزّمّل: من الآية 20]، والخير الّذي نفعله إنّما ندّخره عند من لا ينكره، فَيَد الله سبحانه وتعالى أمينة.

«إِنَّ الَّذِينَ» إن واسمها

«يَخْشَوْنَ» مضارع مرفوع والواو فاعله والجملة الفعلية صلة

«رَبَّهُمْ» مفعول به

«بِالْغَيْبِ» متعلقان بالفعل

«لَهُمْ» خبر مقدم

«مَغْفِرَةٌ» مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية خبر إن وجملة إن استئنافية لا محل لها

«وَأَجْرٌ» معطوف على مغفرة

«كَبِيرٌ» صفة