الآية رقم (69) - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ

هذه الآية شبيهة جدّاً بآيتين أُخريين، فهناك ثلاث آياتٍ وردت في القرآن الكريم بالصّيغة نفسها تقريباً ولكن بينها اختلافٌ بسيطٌ، الموضع الأوّل في سورة (البقرة): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة]، الموضع الثّاني هو هذه الآية من سورة (المائدة)، والموضع الثّالث في سورة (الحجّ): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [الحجّ]، هنا نضع الآيات الثّلاث ونحلّل بدل أن نلقّن؛ لنفهم المعاني القرآنيّة، فالموجود أمامي في سورة (المائدة): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ﴾ جاءت فيها (الصّابئون) قبل (النّصارى)، بينما الآية في سورة (البقرة) جاءت كلمة (النّصارى) قبل (الصّابئين)، وجاء الإعراب بالنّصب، بينما هنا يوجد كسرٌ في الإعراب، إذ يجب أن تكون: (والصّابئين)؛ لأنّها معطوفة على اسم إنّ, والصّابئون: هم فرقةٌ كانوا على ديانة نوح عليه السَّلام، ثمّ انحرفوا وعبدوا الكواكب والملائكة، فلماذا كسر المولى جلّ وعلا الحركة؟ والجواب: كسرها؛ لينبّه أنّ هؤلاء ليسوا مع الّذين هادوا والنّصارى والمسلمين، فرفع الإعراب وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَالصَّابِئُونَ﴾، وليس: (والصّابئين), فالصّابئون لهم موضوعٌ آخرٌ، ويشترط الله سبحانه وتعالى عليهم أن يعودوا للإيمان ويعملوا عملاً صالحاً، إذاً هذه الآية هي تصفيةٌ إيمانيّةٌ، والخطاب هنا للّذين آمنوا بالقول وليس بالعمل، فلا يكفي أن أكون مؤمناً بالله سبحانه وتعالى واليوم الآخر فقط، بل عليّ ألّا أكذب ولا أغشّ ولا أرتشي ولا أقتل ولا أنهب، وأن أُميط الأذى عن الطّريق وأبدأ بالسّلام، وأتحلّى بكلّ الأخلاق الحسنة، وأعمل صالحاً. أمّا في سورة (الحجّ) فأدخل الّذين أشركوا المجوس وهم عبدة النّار، لكن ختامها ليس كختام الآية في سورة (البقرة) والآيتان في سورة (المائدة) ختامهنّ: (لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون)، أمّا في سورة (الحجّ) فختامها مختلف، فلم يقل: (لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون)، بل ختمها بقوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾, يفصل بينهم يوم القيامة؛ لأنّه دخل فيهم الّذين أشركوا والمجوس، فإذاً عندما تتغيّر حركةٌ إعرابيّةٌ يتغيّر المعنى.

مرت هذه الآية في سورة البقرة مع خلاف قليل هو قوله تعالى: فلهم أجرهم عند ربهم «برقم 62» ونصب الصابئين على أنها معطوفة على ما قبلها أما الرفع فعلى أنها مبتدأ وخبره محذوف والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا.. كلهم كذا والصابئون كذلك … والجملة الاسمية معطوفة على جملة إن الذين آمنوا الاستئنافية.

مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ: من اسم موصول مبني على السكون في محل نصب بدل من الذين والجملة صلة الموصول لا محل لها

فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ: الفاء رابطة لأن في الموصول رائحة الشرط والتقدير من آمن من اليهود والنصارى فلا خوف عليهم، لا نافية، خوف مبتدأ، عليهم خبره.

وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ: جملة يحزنون خبر المبتدأ هم والجملة الاسمية ولا هم معطوفة.

وَالَّذِينَ هادُوا: هم اليهود

وَالصَّابِئُونَ الخارجون عن الأديان كلها كما قال الزمخشري

وقال مجاهد: الصابئون: طائفة من النصارى والمجوس ليس لهم دين

وروي عن مجاهد والحسن البصري: هم طائفة من المجوس واليهود لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح.

وقال قتادة: هم قوم يعبدون الملائكة، ويصلون إلى الشمس كل يوم خمس صلوات .