الآية رقم (44) - إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

﴿إِنَّ اللَّهَ﴾: الله: اسم علمٍ واجب الوجود، المتّصف بكلّ صفات الكمال الّتي عرفناها في أسماء الله الحسنى، وإن كان لله عز وجلكمالاتٌ لا تتناهى؛ لأنّ الأسماء أو الصّفات الّتي نعرفها لا تكفي كمالات الله سبحانه وتعالى لذلك قال النّبيّ ﷺ : «اللّهمّ إنّي عبدك ابن عبدك ابن أمَتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حُكمك، عدلٌ فيّ قضاؤك، أسألك بكلّ اسمٍ هو لك، سمّيت به نفسك، أو علّمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك»([1])، وقد يسأل سائلٌ: لماذا يستأثر الله تبارك وتعالى ببعض أسمائه في علم الغيب؟ نقول: حتّى يجعل الله سبحانه وتعالى لنا في الآخرة مزيداً من الكمالات الّتي لم نكن نعرفها في الدّنيا، لذلك نجد الحقّ سبحانه وتعالى يفتح على رسول الله ﷺ من محامده وحُسن الثّناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحدٍ من قبله يوم القيامة.

﴿ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا ﴾: أي أنّ النّاس هم الّذين يظلمون أنفسهم، ومن أشدّ أنواع الظّلم جحد الحقّ، ومن الظّلم أيضاً أن يعطي الإنسان نفسه شهوةً عاجلةً ليذوق من بعدها عذاباً آجلاً، وهو بذلك يحرم نفسه من النّعيم المقيم، وعندما يظلم الإنسان نفسه يكون قد قاس حياته بعبوره في الدّنيا فقط ونسي الآخرة، ومن الظّلم أيضاً أن يستكثر الظّالم نعمة المظلوم، فيريد أن يأخذها منه، وهذا ظلم العباد للعباد، وفي الحديث القدسيّ: «يا عبادي، إنّي حرمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا»([2]).

([1]) مسند أحمد بن حنبل: مسند المكثرين من الصّحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، الحديث رقم (3712).

([2]) صحيح مسلم: كتاب البرّ والصّلة والآدب، باب تحريم الظّلم، الحديث رقم (2577).

«إِنَّ اللَّهَ»: إن ولفظ الجلالة اسمها والجملة مستأنفة.

«لا»: نافية.

«يَظْلِمُ»: مضارع فاعله مستتر والجملة خبر.

«النَّاسَ»: مفعول به.

«شَيْئاً»: نائب مفعول مطلق.

«وَلكِنَّ النَّاسَ»: لكن واسمها والجملة معطوفة.

«أَنْفُسَهُمْ»: مفعول به مقدم والهاء مضاف إليه.

«يَظْلِمُونَ»: مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعله والجملة خبر لكن.

لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً: بسلب حواسهم وعقولهم.

وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ: بإفسادها وتفويت منافعها عليها.

وفيه دليل على أن للعبد كسبا وأنه ليس بمسلوب الاختيار بالكلية، كما زعمت المجبرة.