الآية رقم (55) - إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ

﴿ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ﴾: هذا المشهد المقابل لمشهد الّذين طغوا وتجبّروا، وانتقل إلى مشهدٍ آخر، إلى الّذين آمنوا.

﴿ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ﴾: الصّاحب يختار صاحبه ولا يفارقه، فأنت تختار الجنّة أو النّار، فهم أصحاب الجنّة؛ لأنّهم اختاروا الجنّة بعملهم، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ»([1]).

﴿ الْيَوْمَ ﴾: أي يوم القيامة.

﴿ فِي شُغُلٍ ﴾: نتوقّف عند هذه الكلمة، فبماذا هم مشغولون طالما أنّهم في الجنّة، وأهل الجنّة يُنَعّمون فيها كما وصف الحقّ سبحانه وتعالى؟ وإذا خطر ببالهم شيءٌ حضر أمامهم مباشرةً، فما هو الشّغل؟ جاءت هذه الكلمة مبهمة.

﴿ فَاكِهُونَ ﴾: يقال: فَاكِه وفَكِه يعني: متلذّذ ومُتنعِّم، ومنها: الفاكهة، فهي ليست من الضّروريّات، إنّما من التّفكُّه والتّلذّذ.

فعندما يتحدّث المولى سبحانه وتعالى عن الجنّة، فإنّه يتحدّث بما يقرّب للإنسان ما يحدث معه في الدّنيا، يقول سبحانه وتعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾[الرّعد: من الآية 35]؛ لأنّها ليست الجنّة بل كالجنّة، والجنّة كما وصفها النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»([2])، فلا يمكن للإنسان أن يعلم ما فيها إلّا بما أخبر به الله سبحانه وتعالى.

([1]) صحيح مسلم: كتاب الجنّة وصفة نعيمها وأهلها، الحديث رقم (2822).

([2]) صحيح مسلم: كتاب الجنّة وصفة نعيمها وأهلها، الحديث رقم (2825).

«إِنَّ أَصْحابَ» إن واسمها

«الْجَنَّةِ» مضاف إليه

«الْيَوْمَ» ظرف زمان

«فِي شُغُلٍ» خبر إن الثاني

«فاكِهُونَ» خبر إن الأول. والجملة الاسمية استئنافية لا محل لها.

فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ أي يتفكهون. قال: أبو عبيد: تقول العرب للرجل- إذا كان يتفكه بالطعام أو بالفاكهة أو بأعراض الناس-: إن فلانا لفكه بكذا قال الشاعر:
فكه إلى جنب الخوان إذا غدت … نكباء تقطع ثابت الأطناب
ومنه يقال للمزاح: فاكهة. ومن قرأ: فاكِهُونَ أراد ذوي فاكهة، كما يقال: فلان لابن تامر.
وقال الفراء: «هما جميعا سواء: فكة وفاكه، كما يقال حذر وحاذر» .
وروي في التفسير: فاكِهُونَ: ناعمون. وتَفَكَّهُونَ: معجبون.