الآية رقم (9) - إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ

القرآن الكريم جاء خاتماً للرّسالات، وستبقى المعجزة مكتنزة فيه إلى يوم القيامة، بينما الرّسل -عليهم السّلام- الّذين سبقوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم كانت المعجزات معهم حسّيّة في وقت النّزول؛ كسفينة نوح عليه السلام وعصا موسى عليه السلام ونار إبراهيم عليه السلام وناقة صالح عليه السلام وإحياء الموتى وشفاء المرضى لسيّدنا عيسى عليه السلام.. إلخ، لذلك فالله سبحانه وتعالى تكفّل بحفظ القرآن الكريم، ولم يترك مهمّة حفظه كتكليفٍ منه للبشر؛ لأنّ التّكليف عُرْضة أن يطاع وأنْ يُعصى، فضلاً عن أنّ القرآن الكريم يتميّز عن الكتب السّابقة في أنّه يحمل المنهج، وهو المعجزة الدّالّة على صِدْق بلاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقت ذاته، ولذلك قال الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ ، والذِّكْر إذا أُطلِق انصرف المعنى إلى القرآن الكريم.

ووجدنا في عصرنا من هم غير مؤمنين بالقرآن الكريم، ولكنّهم يتفنّنون في وسائل حفْظه، فهناك مَنْ طبع المصحف في صفحةٍ واحدة، وهناك من قام بتسجيل المصحف بوسائل التّسجيل المعاصرة، وفي ألمانيا على سبيل المثال توجد مكتبة يتمّ بها حِفْظ كلّ ما يتعلّق بكلّ آيةٍ من القرآن الكريم في مكانٍ مُعيّن مُحدّد، وفي البلاد الإسلاميّة نجد مَنْ ينقطع لحفظ القرآن الكريم منذ الطّفولة، ويُنهي حِفْظه وعمره سبع سنوات، وإنْ سألته عن معنى كلمة يقرؤها فقد لا يعرفه، ولكنّه يحفظ القرآن الكريم حتّى وإن لم يكن عربيّاً، حتّى ولو لم يملك أيّة ثقافة؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى تكفّل بحفظه، ولم تتبدّل فيه كلمةٌ منذ عهد النّبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم، ولكي نعرف دِقّة حِفْظ الحقّ سبحانه وتعالى لكتابه الكريم، نجد أنّ بعضهم قد حاولوا أن يُدخِلوا على القرآن الكريم ما ليس فيه، وحاولوا تحريفه من مدخلٍ يروْنَ أنّه قريبٌ من قلب كلّ مسلم، وهو توقير الرّسول صلى الله عليه وسلم، فتناولوا قول الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: من الآية 29]، وأدخلوا في هذه الآية كلمة ليست فيها، وطبعوا مصحفاً غيَّروا فيه تلك الآية بكتابتها: (محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلم والّذين معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم)، وأرادوا بذلك أن يسرقوا عواطف المسلمين، فقامت ضَجَّة، ورفض الجميع، وأُعدِم هذا القرآن الّذي جعلوا فيه هذه الزّيادة، وقالوا: (إنّ به شيئاً زائداً)، فردَّ مَنْ طبع المصحف: (ولكنّها زيادةٌ تحبّونها وتُوقّرونها)، فردَّ العلماء: (إنّ القرآن توقيفيّ؛ نقرؤه ونطبعه ونحفظه كما نزل)، فأيّ زيادةٍ حتّى ولو كانت في توقير رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبّته لا تجوز في القرآن الكريم؛ لأنّ علينا أن نحفظ القرآن الكريم كما نزل.

ولنلحظ بأنّ الله سبحانه وتعالى قال: ﴿إِنَّا نَحْنُ﴾، ولا يوجد آية في القرآن الكريم فيها تأكيد: ﴿إِنَّا نَحْنُ﴾ و ﴿وَإِنَّا لَهُ﴾ غير هذه الآية، واستخدم جل جلاله هنا نون العظمة؛ أي: بصفات الكمال والجلال والجمال لله سبحانه وتعالى كلّها، فالقرآن الكريم محفوظٌ بأمر الله سبحانه وتعالى وبقي أن نحفظه بالعمل، أمّا حفظه كقرآن بالكتابة فهو محفوظٌ إلى أن تقوم السّاعة

«إِنَّا» إن واسمها

«نَحْنُ» ضمير فصل لا محل له والجملة مستأنفة

«نَزَّلْنَا» ماض وفاعله

«الذِّكْرَ» مفعول به

«وَإِنَّا» إن واسمها والجملة معطوفة

«لَهُ» متعلقان بحافظون

«لَحافِظُونَ» خبر مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم