الآية رقم (17) - إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ

هذه قصّة الإخوة الّذين يملكون جنّة من جنان الأرض، فمنعوا حقّ الفقير والمسكين واليتيم، فذهب الله تعالى بثمر الجنّة كلّها وأحرق أشجارها، لقد جزاهم الله تعالى بظلمهم، وهنا يجب أن نتوقّف عند هذه الآيات، إنّنا نرى ذلك في الحياة، وكيف يمكن أن تُصيب الزّراعة أو غيرها كارثة، وكيف يكون الجزاء والثّواب.

﴿ بَلَوْنَاهُمْ : أي: اختبرناهم، وهناك ابتلاءٌ بالخير وابتلاءٌ بالشّرّ، والبلاء كلمة لا تُخِيف، أمّا الّذي يُخِيف فهو نتيجة هذا البلاء، فالبلاء هو امتحان أو اختبار، إن أدّيته ونجحت فيه كان خيراً لك، وإن لم تُؤَدِّه كان وبالاً عليك. والحقّ تعالى يقول: ﴿ بَلَوْنَاهُمْ فـ: (هم) هنا تعني أهل مكّة، امتحنّا واختبرنا مشركي قريش حين دعا عليهم رسول الله ﷺ فقال: «اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ»([1]).

﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ: وابتلاؤهم هنا كان عقوبة لهم، والجنّة المقصودة هنا هي بستان كان لهؤلاء، وكلمة (الجنّة) مأخوذةٌ من (الجنّ) والسّتر، والجنّة هي البستان الّذي به شجرٌ عالٍ كثيف إذا سار فيه الإنسان ستره، وهو غير البساتين الزّهريّة الّتي تُخرِج زهراً قريباً من الأرض تمثّل ترفاً للعيون فقط، فـ (جنّ) تُفيد السّتر والتّغطية، ومنها الجنون؛ أي: ستر العقل، و(جنّ الليل)؛ أي أظلم وستر عنك، فلا ترى غيرك ولا غيرك يراك، فالمادّة كلّها تُفيد السّتر.

وأصحاب الجنّة هؤلاء ورثوها عن أبيهم الّذي كان يجعل من كلّ شيءٍ فيها حظّاً للمساكين عند الحصاد والصّرام، فقال بنوه: المال قليل، والعيال كثير، ولا يسعنا أن نفعل كما كان يفعل أبونا، وعزموا على حرمان المساكين فصارت عاقبتهم إلى ما قصّ الله تعالى في كتابه.

﴿ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ: الصّرم: القطع؛ أي: حلفوا ليقطعنّ ثمر نخيلهم من غير أن يشعر المساكين، واتّفقوا على قطف ثمار بستانهم في الصّباح، ولم يقولوا: إن شاء الله، فدمّرها الله عز وجل وأهلكها وهم نائمون، وفي الصّباح انطلقوا إلى جنّتهم وهم يقولون فيما بينهم: ﴿أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ﴾ ، وهكذا قطعوا الطّريق على أنفسهم حينما حرموا المسكين: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾، ثمّ تنبّهوا إلى ما وقعوا فيه من خطأٍ وعادوا إلى صوابهم، فقالوا: ﴿عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾.

([1]) صحيح البخاريّ: كتاب الأذان، بَابٌ: يَهْوِي بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَسْجُدُ، الحديث رقم (804).

«إِنَّا بَلَوْناهُمْ» إن واسمها وماض وفاعله ومفعوله والجملة الفعلية خبر إن والجملة الاسمية استئنافية لا محل لها

«كَما» الكاف حرف تشبيه وجر وما مصدرية

«بَلَوْنا» ماض وفاعله

«أَصْحابَ الْجَنَّةِ» مفعوله المضاف إلى الجنة والمصدر المؤول من ما والفعل في محل جر بالكاف والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمصدر محذوف

«إِذْ» ظرف زمان

«أَقْسَمُوا» ماض وفاعله والجملة في محل جر بالإضافة

«لَيَصْرِمُنَّها» اللام واقعة في جواب القسم ومضارع مرفوع بثبوت النون المحذوفة لتوالي الأمثال والواو المحذوفة فاعل والها مفعول به

«مُصْبِحِينَ» حال والجملة جواب القسم لا محل لها.

{بَلَوْنَاهُمْ} … اخْتَبَرْنَاهُمْ.

 {الْجَنَّةِ} … الحَدِيقَةِ.

 {لَيَصْرِمُنَّهَا} … لَيَقْطَعُنَّ ثِمَارَ حَدِيقَتِهَا.