الآية رقم (163) - إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا

﴿كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ﴾: لماذا بدأ بنوحٍ عليه السَّلام ولم يبدأ بآدم عليه السَّلام وهو رسولٌ وقد أوحي إليه؟ عندما أهبط الله سبحانه وتعالى آدم وحوّاء إلى الدّنيا: ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ [طه]، هناك وحيٌ لسيّدنا آدم عليه السَّلام ومع ذلك بدأ الله سبحانه وتعالى بنوحٍ عليه السَّلام ، ولم يبدأ بآدم عليه السَّلام هنا. بدأ بنوحٍ عليه السَّلام لأنّه طرأ على أمّته، أي كانت الأمّة والنّاس موجودين وجاء نوحٌ طارئاً عليهم، وهم في حالةٍ من الوثنيّة والشّرك والفساد، هو طرأ على أمّته ككلّ الأنبياء عليهم السَّلام، طرأوا على أممهم إلّا آدم عليه السَّلام فإنّ أمّته طرأت عليه؛ لأنّه أوّل إنسانٍ نزل، وبعده جاء الأولاد و…، هناك فارقٌ بين أن يكون الأمر والوحي لنوحٍ عليه السَّلام والوحي لآدم عليه السَّلام ؛ لأنّ آدم كان هو المثل الّذي لا مثل غيره في الدّنيا، أمّا نوح فكان النّاس موجودين، القياس هنا قياسٌ مع سيّدنا نوحٍ عليه السَّلام وليس مع سيّدنا آدم عليه السَّلام ، انظروا لدقّة القرآن الكريم: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النّساء]، فلو أنّ إنساناً كتبه كان سيبدأ بسيّدنا آدم عليه السَّلام وليس بنوحٍ عليه السَّلام ، ويُقاس النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالأنبياء الّذين جاؤوا وكان هناك أممٌ مشركةٌ وعلى ضلالٍ، فجاء ليصحّح لهم ولينذرهم وليبشّرهم، أمّا آدم عليه السَّلام فجاء ولم يكن هناك أناسٌ، فجاء الوحي ليبيّن الطّريق لمن يأتي من بعده، فاختلف الأمر، لذلك القياس يكون على سيّدنا نوح عليه السَّلام.

إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ: أوحينا فعل ماض مبني على السكون تعلق به الجار والمجرور إليك ونا فاعله والجملة خبر إن ونا اسمها

كَما أَوْحَيْنا: الكاف اسم بمعنى مثل صفة لمصدر محذوف وما مصدرية والمصدر المؤول من ما المصدرية والفعل بعدها في محل جر بالإضافة والتقدير: أوحينا إليك إيحاء مثل إيحائنا إلى نوح، ويجوز إعراب الكاف حرف جر والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق مقدر.

إِلى نُوحٍ: متعلقان بأوحينا

وَالنَّبِيِّينَ: عطف على نوح

مِنْ بَعْدِهِ: متعلقان بمحذوف حال

وَأَوْحَيْنا: الجملة معطوفة على أوحينا الأولى

إِلى إِبْراهِيمَ: اسم مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة اسم علم أعجمي ممنوع من الصرف ومثلها الأسماء المعطوفة «وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى..» إلخ «وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً» فعل ماض وفاعله ومفعولاه والجملة معطوفة على أوحينا الأولى.

إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ: أي أنزلنا إليك كتابًا بواسطة جبريل عليه السلام، والوحي: إعلام في خفاء .

وقال الزجاج: الإيحاء: الاعلام على سبيل الخفاء. ويأتي في اللغة على معان منها:

1- الإشارة: مثل قوله تعالى: (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [مريم 19/ 11] أي أشار إليهم.

2- الإلهام: مثل قوله تعالى: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي) [المائدة 5/ 111] (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) [القصص 28/ 7] .

3- الإلهام غريزة: مثل قوله تعالى: (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) [النحل 16/ 68] .

4- الاعلام في خفاء: مثل قوله تعالى: (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ) [الأنعام 6/ 112]

الْأَسْباطِ جمع سبط: وهو ولد الولد، والمراد بالأسباط هنا: أولاد يعقوب لصلبه أو أولاد أولاده

زَبُوراً: هو الكتاب المنزل على داود عليه السلام.

الزبور: في اللغة بالضم مصدر: هو المزبور بمعنى المكتوب، وبالفتح: اسم للكتاب المؤتى.