الآية رقم (163) - إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا

في أحد المرّات دخل حذيفة رضي الله عنه على سيّدنا عمر رضي الله عنه، فقال له سيّدنا عمر: “يا حذيفة كيف أصبحت؟”، فقال حُذيفة: “أصبحت أحبّ الفتنة، وأكره الحقّ، وأصلّي من دون وضوء، ولي في الأرض ما ليس لله في السّماء”، فتعجّب سيّدنا عمر من هذا القول، -هذا لغةً- فدخل الإمام عليّ كرّم الله وجهه، فقال عمر رضي الله عنه: “يا أبا الحسن، اسمع ما يقول حذيفة” -وكان مُغضباً- فقال الإمام عليّ كرّم الله وجهه: “ماذا تقول يا حذيفة لعمر؟”، فقال: “سألني: كيف أصبحت يا حذيفة؟ فقلت: أحبّ الفتنة وأكره الحقّ وأصلّي من غير وضوء ولي في الأرض ما ليس لله في السّماء”، فضحك سيّدنا الإمام عليّ كرّم الله وجهه فقال: “على رسلك يا أبا حفص على رسلك يا عمر”، فقال له عمر: “ما هذا القول؟”، فقال له: يقول: إنّه يحبّ الفتنة والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [التّغابن]، يحبّ ماله وأولاده وهذا أمرٌ طبيعيٌّ، وأمّا قوله: أكره الحقّ، فقال الإمام عليّ: الموت حقٌّ، ومن منّا لا يكره الموت، ويصلّي من غير وضوءٍ، هي الصّلاة على سيّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، (اللّهمّ صلّ على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه) وله في الأرض ما ليس لله في السّماء، فله زوجةٌ وله ولدٌ، وليس لله سبحانه وتعالى زوجةٌ ولا ولدٌ، فضحك سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ، وقال: “أصبت يا أبا الحسن، لقد أزلت ما في قلبي على حذيفة”، هذا الفارق ما بين المعاني اللّغويّة والمعاني الاصطلاحيّة، يأتي بالمعنى اللّغويّ شيءٌ وبالمعنى الشّرعيّ شيءٌ آخر.

إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ: أوحينا فعل ماض مبني على السكون تعلق به الجار والمجرور إليك ونا فاعله والجملة خبر إن ونا اسمها

كَما أَوْحَيْنا: الكاف اسم بمعنى مثل صفة لمصدر محذوف وما مصدرية والمصدر المؤول من ما المصدرية والفعل بعدها في محل جر بالإضافة والتقدير: أوحينا إليك إيحاء مثل إيحائنا إلى نوح، ويجوز إعراب الكاف حرف جر والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق مقدر.

إِلى نُوحٍ: متعلقان بأوحينا

وَالنَّبِيِّينَ: عطف على نوح

مِنْ بَعْدِهِ: متعلقان بمحذوف حال

وَأَوْحَيْنا: الجملة معطوفة على أوحينا الأولى

إِلى إِبْراهِيمَ: اسم مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة اسم علم أعجمي ممنوع من الصرف ومثلها الأسماء المعطوفة «وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى..» إلخ «وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً» فعل ماض وفاعله ومفعولاه والجملة معطوفة على أوحينا الأولى.

إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ: أي أنزلنا إليك كتابًا بواسطة جبريل عليه السلام، والوحي: إعلام في خفاء .

وقال الزجاج: الإيحاء: الاعلام على سبيل الخفاء. ويأتي في اللغة على معان منها:

1- الإشارة: مثل قوله تعالى: (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [مريم 19/ 11] أي أشار إليهم.

2- الإلهام: مثل قوله تعالى: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي) [المائدة 5/ 111] (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) [القصص 28/ 7] .

3- الإلهام غريزة: مثل قوله تعالى: (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) [النحل 16/ 68] .

4- الاعلام في خفاء: مثل قوله تعالى: (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ) [الأنعام 6/ 112]

الْأَسْباطِ جمع سبط: وهو ولد الولد، والمراد بالأسباط هنا: أولاد يعقوب لصلبه أو أولاد أولاده

زَبُوراً: هو الكتاب المنزل على داود عليه السلام.

الزبور: في اللغة بالضم مصدر: هو المزبور بمعنى المكتوب، وبالفتح: اسم للكتاب المؤتى.