الآية رقم (11) - إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ

﴿إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾: استثنى المولى سبحانه وتعالى من هؤلاء الّذين يفرحون هذا الفرح بالنّعماء بعد الضّرّاء من غير أن يذكروا الـمُنعم سبحانه وتعالى أولئك الّذين صبروا وعملوا الصّالحات، وكلمة ﴿صَبَرُوا﴾ توافق الأمرين اللّذين سبقا، فهناك نزع الرّحمة وهناك نعماء من بعد ضرّاء، فكِلا الموقفين يحتاج إلى الصّبر، وقد جاء الاستثناء هنا ليطمئِن الّذين يصبرون على ما يصيبهم في أمر دنياهم، أو ما يصيبهم في ذواتهم بتقدير العزيز العليم، فالصّبر معناه حدّ النّفس بحيث ترضى عن أمرٍ مكروهٍ نزل بها والأمر المكروه له مصادر عدّة، منها أمرٌ لا غريم لك فيه، كالمرض، أو أمرٌ لك فيه غريمٌ، أحدهم سرق منك أو اعتدى عليك أو ضربك.. فينشغل الإنسان برغبة الانتقام، وتتأجّج به هذه الرّغبة ضدّ الغريم، لذلك الصّبر على هذه أصعب من الصّبر على الأولى، وقد عرض الحقّ سبحانه وتعالى هذا الصّبر عندما قال على لسان سيّدنا لقمان: ﴿ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)﴾ {لقمان: من الآية 17}، وفي موضعٍ آخر يقول جلّ وعلا: ﴿ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)﴾ {الشّورى}، هنا جاءت لام التّأكيد لتؤكّد أنّ الأمر يحتاج إلى عزمٍ قويٍّ؛ لوجود غريمٍ يُثير غضب الإنسان.

﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾: لا يوجد إيمانٌ من غير صبرٍ ومن غير عملٍ صالحٍ؛ لأنّ علامة الإيمان هي الأعمال الصّالحة، فالإيمان كما قال الحسن البصريّ رضي الله عنه: “ما وقر في القلب وصدّقه العمل”([1])، فدليل الإيمان وظائفه وما تقتضيه هذه الوظائف، وفي مسرح الحياة على الإنسان أن يعمل الصّالحات الّتي تؤدّي بالخير إلى النّاس جميعاً، لذلك لم يرد في القرآن الكريم جزاءٌ للّذين آمنوا إلّا واقترن بالعمل الصّالح، كقوله سبحانه وتعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) {الكهف}، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) ﴾ {الكهف}.

﴿ أُولَٰئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾: ينالون المغفرة؛ لأنّهم صبروا وغفروا، لذلك يهديهم الله سبحانه وتعالى للمغفرة لمن أساء لهم، ويغفر لهم ذنوبهم، ولهم أجرٌ كبيرٌ.

([1]) مصنّف ابن أبي شيبة: كتاب الإيمان والرّؤيا، الحديث رقم (30351).

«إِلَّا»: حرف استثناء.

«الَّذِينَ»: مستثنى.

«صَبَرُوا»: ماض وفاعله والجملة صلة.

«وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ»: حرف عطف وماض وفاعله ومفعوله والجملة معطوفة.

«أُولئِكَ»: مبتدأ.

«لَهُمْ»: خبر مقدم.

«مَغْفِرَةٌ»: مبتدأ مؤخر.

«وَأَجْرٌ»: معطوف على مغفرة.

«كَبِيرٌ»: صفة والجملة الاسمية في محل رفع خبر أولئك.