أخطر داءٍ يصيب المجتمعات هو داء النّفاق، وهو داءٌ خطيرٌ عضال، العدوّ تراه وتعرفه، أمّا المنافق فيكون داخل الجسد، والمنافق بشكلٍ عامٍّ لديه تعارضٌ وتصارعٌ في الملكات الدّاخليّة؛ لأنّه يقول غير ما يُبطِن، ويُظهر غير ما يُخفي، وقد ظهر النّفاق في المدينة المنوّرة ولم يظهر في مكّة؛ لأنّ المسلمين كانوا قلّةً ومضطهدين، فلا يحتاج أحدٌ أن ينافقهم، أمّا عندما قويت شوكتهم، وخصوصاً بعد انتصارهم في غزوة بدر فقد أصبح النّفاق كثيراً، والمنافقون موجودين في كلّ مكانٍ، وقد بيّن القرآن الكريم في ثلاث عشرة آيةٍ في بداية سورة (البقرة) صفات المنافقين، وذكرهم في سورٍ أخرى، وبيّن مصيرهم يوم القيامة بقوله جلّ جلاله: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) [ النّساء]، وقد كان ابن سلول يقود حركة النّفاق في المدينة المنوّرة، فأصبح هؤلاء المنافقون يعملون على محاولة إضعاف الجسد الدّاخليّ للمؤمنين، فعندما انتصر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم : قالوا: (غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ)، فبماذا سيغترّون؟ المؤمنون لم يغترّوا، فهم يعلمون أنّ النّصر من عند الله سبحانه وتعالى، وهم لا حول لهم ولا قوّة، لذلك أتبع الله سبحانه وتعالى ذلك بقوله: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) هم توكّلوا على الله عزّ وجلّ حقّ التّوكّل، والعزيز هو الغالب الّذي لا يُغلب، المستغني عن خلقه، والحكيم هو الّذي يضع الأمور في نصابها، فبعد النّصر العزيز المؤزّر واجه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والمؤمنون في تلك المرحلة حركة النّفاق الكبيرة في المجتمع.
جاءت كلمة نفاق من نافق اليربوع؛ أي دخل في النّافقاء، واليربوع عبارةٌ عن حيوانٍ يتّخذ عدّة مسالك وطرقٍ وأنفاق فيهرب من هنا ويهرب من هنا.. وهكذا، ومنه أُخذت كلمة المنافق وهو الّذي يُظهِر غير ما يبطن.