هذا وَصف لِـمَا جرى في غزوة الأحزاب الّتي جمعتْ فُلول أعداء رسول الله ﷺ، فقد سبق أنْ حاربهم مُتفرّقين، والآن يجتمعون لحربه ﷺ، فجاءت قريش ومَنْ تبعها من غطفان وأسد وبني فزارة وغيرهم، وجاء اليهود من بني النّضير وبني قريظة، وعجيب أنْ يجتمع كلّ هؤلاء لحرب الإسلام على ما كان بينهم من العداوة والخلاف.
﴿إِذْ جَاءُوكُمْ﴾ : أي: اذكر يا محمّد، وتخيَّل، وتصوَّر إذ جاءك الأحزاب، وتجمَّعوا لحربك.
﴿مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ : أي: من ناحية الشّرق، وهُمْ: غطفان، وبنو قريظة، وبنو النّضير.
﴿وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ﴾ : أي: من ناحية الغرب وهم قريش، ومَنْ تبعهم من الفزاريّين والأسديّين وغيرهم.
﴿وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ﴾ : أي: اذكر إذ زاغت الأبصار، ومعنى زاغ البصر؛ أي: مال، ومنه قوله سبحانه وتعالى: ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾ [النّجم]، فـ (زاغت الأبصار)، يعني: مالتْ عن سَـمْتها.
﴿وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾ : معلوم أنّ الحَنجرة أعلى القصبة الهوائيّة في هذا التّجويف المعروف، فكيف تبلغ القلوبُ الحناجرَ؟ هذا أثر آخر من آثار الهول والفزع، فحين يفزع الإنسان يضطرب في ذاته، وتزداد دقَّات قلبه، وتنشط حركة التّنفّس، حتّى ليُخيَّل للإنسان من شدّة ضربات قلبه أنّ قلبه سينخلع من مكانه.
﴿وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾ : أي: ظنوناً مختلفة تأخذهم وتستولي عليهم، فكلٌّ له ظنٌّ يخدم غرضه، فالمؤمنون يظنّون أنّ الله سبحانه وتعالى لن يتخلّى عنهم، والكافرون يظنّون أنّهم سينتصرون وسيستأصلون المؤمنين، بحيث لا تقوم لهم قائمة بعد ذلك. ونلحظ في هذه الآية أنّ الله سبحانه وتعالى لا يكتفي بأنْ يحكي له ما حدث، إنّما يجعله ﷺ يستحضر الصّورة بنفسه، فيقول له: اذكُرْ إذ حدث كذا وكذا.