﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾: الرّجاء: هو طلب شيءٍ محبوبٍ متوقّعٍ، والتّمنّي: طلب شيءٍ محبوبٍ لا يمكن حدوثه، لكن تعلن تمنّيك له، كقول الشّاعر:
ألا ليت الشّباب يعود يوماً فأخبـــــــره بمــــــا فعــــل المشــــــيب
هو لن يعود، وهنا يقول الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾، هم لا يرجون لقاء الله عز وجل؛ لأنّ الّذي يرجو لقاء الله جل جلاله هو من أعدّ نفسه لهذا اللّقاء؛ ليستقبل ثواب الله جل جلاله، لكن الّذي لم يقدِّم عملاً يؤهّله لثواب الله سبحانه وتعالى ، بل قدَّم ما يؤهّله لعقاب الله عز وجل، كيف له أن يرجو لقاء الله سبحانه وتعالى ؟ إنّه لا يرجو ذلك أبداً، نرى مثلاً الشّهيد الّذي يقدّم نفسه للشّهادة، وهي أعزّ شيءٍ عنده يفعل ذلك لوثوقه بأنّ ما يستقبله بالاستشهاد هو خيرٌ ممّا يتركه من الحياة، فالّذي يرجو لقاء الله عز وجل هو الّذي يعدّ نفسه لهذا اللّقاء.
﴿وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا﴾: لم يعملوا للآخرة، بل اكتفوا ورضوا بالحياة الدّنيا، وقد سمّى الله سبحانه وتعالى هذه الدّار اسماً، كان يجب علينا بمجرّد سماعه أن ننصرف عنها، وهو (الحياة الدّنيا)، فلا يوجد اسمٌ أقلّ من ذلك، والمقابل هو الحياة العُليا.
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ﴾: الغفلة: هي ذهاب المعنى عن النّفس، فما دام المعنى موجوداً في النّفس توجد اليقظة، فالغفلة عكس اليقظة، الّتي هي استقرار المعنى في النّفس.
وبما أنّ الغفلة هي ذهاب المعنى عن النّفس وانطماسه، فإنّ هؤلاء الّذين يمرّون بآياتنا وهم عنها غافلون لن ينتفعوا بشيءٍ منها.