الآية رقم (63) - أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا

بالنّسبة لله سبحانه وتعالى هم مكشوفون وواضحون، أمّا بالنّسبة للنّاس والمجتمع فلا يمكن تحديد المنافق من غير المنافق، فهناك صفاتٌ ومعايير معيّنةٌ تنطبق على النّفاق، لكنّه قد لا يكون واضحاً ولا يكتشف الإنسان في مجتمعه من هو المنافق ومن هو الصّادق، من هو الأمين ومن هو الخائن، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنّها ستأتي على النّاس سنون خدّاعة، يصدّق فيها الكاذب، ويُكذّب فيها الصّادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخوّن فيها الأمين، وينطق فيها الرّويبضة»، قيل: وما الرّويبضة؟ قال: «السّفيه يتكلّم في أمر العامّة»([1])، فالنّفاق خطرٌ دائمٌ في البنيان الاجتماعيّ في أيّ وطنٍ من الأوطان، ولكن متى بدأت حركة النّفاق في المجتمع الإيمانيّ؟ عندما كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والّذين معه مضطهدين من قِبَل المشركين في مكّة لم يوجد داءٌ اسمه النّفاق، لماذا ستنافق للرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم وللمؤمنين وهم يتعرّضون للعذاب والاضطهاد، كما جرى مع سيّدنا بلال رضي الله عنه وغيره من الصّحابة الكرام، وكذلك الحصار في شعب أبي طالب؟! ولكن حركة النّفاق بدأت عندما انتصر الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم وأصبحت شوكة المسلمين قويّةً في المدينة المنوّرة، فكان المنافقون إذا أصابتهم مصيبةٌ أو تعرّضت مصالحهم للإيذاء بما قدّمت أيديهم؛ أي من جرّاء نفاقهم وكذبهم، يأتون إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يحلفون بالله سبحانه وتعالى ويدّعون غير الحقائق. لكن لا يمكن لأحدٍ أن يمحّص ويقول: هذا منافقٌ وهذا غير منافقٍ؛ لأنّ الله تبارك وتعالى لو أمر رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يخبر كلَّ منافقٍ بأنّه منافقٌ لاتّبع النّاس هذه السّنّة عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولشكّك بعضهم ببعض، ولأصبح كلّ إنسانٍ يتهمّ الآخر بأنّه منافقٌ.

أُولئِكَ: اسم إشارة مبتدأ

الَّذِينَ: اسم موصول خبره

يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ: فعل مضارع ولفظ الجلالة فاعل واسم الموصول مفعول به والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صلة الموصول والجملة صلة الموصول الذين

فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ: الجار والمجرور متعلقان بفعل الأمر قبلهما والجملة في محل جزم جواب شرط مقدر لأن الفاء هي الفصيحة.

وَعِظْهُمْ: الجملة معطوفة على ما قبلها

وَقُلْ لَهُمْ: كذلك عطف

فِي أَنْفُسِهِمْ: متعلقان ببليغاً

قَوْلًا: مفعول مطلق

بَلِيغاً: صفة.

وقوله:﴿أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا ﴾ أسلوب يستعمل فيما يعظم من خير أو شر، فمقدار ما في قلوبهم من كفر وحقد ومكر وكيد بلغ حدًا لا يحيط به إلا من يعلم السر وأخفى.