الآية رقم (175) - أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ

يذكر الله سبحانه وتعالى لنا لماذا لا يكلّمهم؟ ولماذا لا يزكّيهم؟ ولماذا يكون لهم في الآخرة عذاب أليم؟ إنّهم قد بدّلوا الضلالة بالهدى؛ والعذاب بالمغفرة، وعندما ترى شدّة العقاب فلا يهولنّك، ولكن انظر إلى فداحة الجرم.

إنّ النّاس عندما يفصلون الجريمة عن العقاب تأخذهم الشّفقة على المجرم؛ لأنّهم لا يرون المجرم إلّا حال محاكمته وعقابه وينسون جريمته، ولذلك فعندما ترى عقوبة ما وتستعظمها، فعليك استحضار الجرم الّذي أوجب تلك العقوبة. ولذلك نجد النّاس غالباً ما يعطفون على المجرمين الّذين يُحاكمون وتصدر بحقّهم عقوبات صارمة؛ ذلك لأنّ الجريمة ربّما مرّ عليها زمنٌ طويل، ولم يروها، وآثارها وتبعاتها انتهت، ولم يبقَ إلّا المجرم؛ فيشفقون عليه.

﴿أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى﴾: الباء تدخل على المتروك، فالضّلالة هنا أُخِذَتْ وتُرك الهدى، واستُبدِل العذاب بالمغفرة، وما داموا قد أخذوا الضّلالة بدلاً من الهدى، والعذاب بدلاً من المغفرة، فالعدالة أن ينالهم العذاب الأليم.

﴿فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾: هذا تشنيع للعقاب حتّى يَنْفِرَ منه النّاس. ويريد الله سبحانه وتعالى منّا أن نعجب، كيف يترك الضّالّ الهدى ويأخذ الضّلال، وبعد ذلك تكون النّتيجة أن ينال العذاب ويُحرَم المغفرة. فما الّذي يعطيه الأمل في أن يصبر على النّار؟، هل عنده صبر إلى الحدّ الّذي يجعله يُقبِل على الذّنب الّذي يدفعه إلى النّار؟ وما الّذي جعله يصبر على هذا العذاب؟ أعنده من القوّة ما يُصَبِّره على النّار؟ وما هذه القوة؟ وكأنّ الله سبحانه وتعالى يقول: أنت غير مدرك لما ينتظرك من الجزاء، وإلّا ما الّذي يُصبِّرك على هذه الّنار؟ حتّى تتمادى في طغيانك وضلالك، وتنسى أنّ النّار ستكون من نصيبك، فإذا كنت متيقّناً أنّ النّار من نصيبك؛ فكيف أخذت أماناً من صبرك على النّار؟ وكيف للإنسان أن يصبر على حرّ النّار؟! أعاذنا الله.

أُولئِكَ: اسم إشارة مبتدأ.

الَّذِينَ: اسم موصول خبر.

اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ: فعل ماض وفاعل ومفعول به.

بِالْهُدى: متعلقان بحال محذوفة.

وَالْعَذابَ: اسم معطوف.

بِالْمَغْفِرَةِ: متعلقان باشتروا.

فَما: الفاء استئنافية ما نكرة تامة بمعنى شيء مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ.

أَصْبَرَهُمْ: فعل ماض جامد لإنشاء التعجب مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود إلى ما، والهاء مفعول به

والجملة خبر المبتدأ ما.

عَلَى النَّارِ: جار ومجرور متعلقان بأصبر

(ما أصبرهم):  استئنافية لا محل لها.

اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى استعارة تصريحية، والمراد: استبدلوا الكفر بالإيمان، استعار لفظ الشراء للاستبدال.

الضَّلالَةَ: هي العماية التي لا يهتدي فيها الإنسان لمقصده.

بِالْهُدى: الشرائع التي أنزلها الله على لسان أنبيائه

فَما أَصْبَرَهُمْ: أي ما أشد صبرهم وهو تعجب للمؤمنين من ارتكابهم موجبات النار، من غير مبالاة.