﴿وَأَنْ عَسَىٰ أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ﴾: أي عندما يقترب الأجل، هم يعتقدون أنّه بعيدٌ كما قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾ [المعارج]، ولكن مهما طال عمر الإنسان في هذه الحياة وإن بلغ سبعين أو ثمانين أو تسعين سنةً فإنّ أجله قريبٌ، وهو آتٍ لا ريب فيه.
﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُون﴾: لا يوجد إيمانٌ بعد ذلك؛ لأنّ الإيمان عندها يكون قد أصبح مشهديّاً، ويكون الإنسان قد خرج من الظّلمة الّتي هو فيها في هذه الحياة ولا يستطيع أن يراها الآن: ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ [ق]، الإنسان في هذه الحياة الدّنيا لا يرى الـمُلك ولا الملكوت، لكنّه سيرى الملكوت بعد أن يُكشف عنه الغطاء، ويرى هذه الحقائق، فليس كلّ ما لا تراه غير موجودٍ، نحن لا نرى بأعيننا ولكن يجب علينا أن نرى بقلوبنا وببصيرتنا وليس بأبصارنا؛ لذلك قال الله سبحانه وتعالى : ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا﴾ [الأعراف: من الآية 179]، لو أنّهم يفقهون بقلوبهم لرأوا الحقيقة، ولرأوا بأنّ هذه الدّنيا متاعٌ، وأنّها زائلةٌ، وأنّ الموت قادمٌ، وأنّ هناك حياةً بعد الموت. مخلوقات الله سبحانه وتعالى كلّها تدلُّ على وجوده جلّ جلاله، ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة].