هذا القول لموسى عليه السلام مع شعب بني إسرائيل، وهذه الآية أعطتنا تفسيراً لقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ ]فاطر: من الآية 24[، وكذلك قول الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ ]غافر: من الآية 78[، فلا توجد أمّةٌ أو قومٌ أو قريةٌ إلّا وأرسل الله سبحانه وتعالى لهم نبيّاً وأنذرهم، وقد أوحى الله سبحانه وتعالى لموسى عليه السلام أن يبلّغ قومه قصص بعض الأنبياء السّابقين، وهذا واضحٌ في قول الله تبارك وتعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾.
﴿وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ﴾: هناك كثيرٌ من الرّسل والأنبياء لم يقصّ الله سبحانه وتعالى علينا أو عليهم قصصهم.
﴿جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾: الرّسل حملوا منهج الله سبحانه وتعالى وكذلك المعجزات الدّالّة على صدقهم لمن جاؤوا من بعد ذلك، والبيّنات هي المعجزة الدّالّة على صدقهم، أو هي الآيات المشتملة على الأحكام الواضحة الّتي تنظّم حركة حياتهم لتُسعدهم.
﴿ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾: وضع الكافرون أيديهم على أفواههم، بمعنى أنّهم قالوا للرّسل: اسكتوا أو اصمتوا لا تتكلّموا بما جئتم به من بلاغٍ، أو أنّهم عضّوا على الأيدي بالنّواجذ؛ لأنّهم لم يطيقوا تطبيق منهج الله تبارك وتعالى، ولم يستطيعوا التّحكّم في أنفسهم، والثّراء في القرآن الكريم يحتمل هذه المعاني كلّها.
﴿وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ﴾: يكشف لنا غباءهم، فهم يعترفون بأنّ هؤلاء الرّسل عليهم السلام من السّماء، وبالوقت ذاته ينكرون المنهج.
﴿وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾: أي أنّهم أعلنوا رأيهم في المنهج وقالوا: إنّهم محيّرون ومحتارون ويشكّون في هذه المناهج الإلهيّة