هنا يقصّ علينا الحقّ سبحانه وتعالى طرفاً من قصص الأمم الّتي أهلكها، وقد حدّثنا سبحانه وتعالى في السّورة السّابقة عن الغاشية وأهوالها، وكيف تكتنف النّاس وتعمّهم فلا يفرّ منها أحدٌ، وهنالك لونٌ من ألوان العذاب مُعجّلٌ في الدّنيا قبل الآخرة، حتّى لا يستشري الطّغيان ولا ينتشر الفساد فتشقى به العباد والبلاد، وقد ذكر سبحانه وتعالى نماذج ممّن عجّل لهم العذاب في الدّنيا، كقوم عاد وثمود وفرعون مُخاطِباً نبيّه الكريم محمّداً صلَّى الله عليه وسلَّم: ألم تر يا محمّد ما حدث لهؤلاء، وهم أصحاب تاريخٍ معروفٍ وامتدادٍ عمرانيٍّ وحضاريٍّ ملأ الدّنيا، لكنّ ذلك لم يعصمهم من عذاب الله سبحانه وتعالى، فأخذهم سبحانه وتعالى فأصبحوا أثراً بعد عين.
﴿أَلَمْ تَرَ﴾؛ أي: ألم تعلم، لكن الحقّ سبحانه وتعالى قال: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾
ليؤكِّد لرسوله هذه الأخبار، ويلفت نظره وأنظارنا إلى أنّ الحقّ سبحانه وتعالى إذا أخبرنا بشيءٍ فلنعلم أنّ إخباره أوثق ممّا تراه العين؛ لأنّ العين قد تخدع، ولكنّ الله جلَّ جلاله لا يخدع، وإخبار الله سبحانه وتعالى عن أمرٍ غيبيٍّ يجب أن يرتقي إلى مستوى ما تراه العين، وليس مع العين أين