إذاً هناك مجموعة وهم ألوف، أعداد غفيرة، حادثة حدثت، نحن نترك العبرة والغاية من الحادثة ونبحث متى حدثت؟ أفي أيّام موسى أم بعدها، أيّام داود، أيّام يوشع، أيّام زكريّا، أيّام مَن؟… المولى سبحانه وتعالى لم يذكره، وطالما أنّه لم يذكره فإذاً هو أراد وظيفة إيمانيّة من غير أن تعرف من هم، فلا تضيِّق الأمر، عندما يبهم يريد أن يعمّم، فأبهم الأشخاص، وأبهم الزّمان، وأبهم المكان، لم يذكر من هم ولم يذكر الزّمن الّذي تمّ ولم يذكر في أيّ مكان، لماذ؟ هذه قضيّة عامّة، يمكن أن تحدث في كلّ زمان ومكان، وهذا من ميّزات القصّة القرآنيّة أنك عندما تقرأ القصّة فنحن أمام إبهام مثل قصّة أصحاب الكهف: (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا) [الكهف]، هذا الإبهام يعمّم، فلم يذكر من هم الفتية؟ (نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) [الكهف]، بأيّ كهف دخلوا؟ لا نعلم من هم الفتية، لا نعلم ما هي أعمارهم؟ نعلم أنّهم فتية، وأنّهم شباب، إذاً هي قضيّة يريد أن تكون عامّة في كلّ زمان، لذلك لم يشخّص الأشخاص ولا الزّمان ولا المكان.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ): ألم تر إلى هؤلاء الّذين خرجوا من ديارهم من بني إسرائيل وهم ألوف، لماذا خرجوا؟ إمّا أن يكون بسبب طاعون، وإمّا أن يكون لقتال، أو خوف زلزال، أو أيّ شيء، لم يذكر المولى سبحانه وتعالى، المهمّ الغاية، خرجوا حذر الموت، سبب الخروج هو الخوف من الموت، فإذاً هنا يعالج قضيّة هامّة جدّاً بأن يعيش الإنسان في حياته وهو في قلق، أنت كما تولد تموت، طالما أنّك ولدت فأنت