الآية رقم (49) - أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً

وهذه آيةٌ عامّةٌ لكلّ النّاس، وليست فقط لليهود والمنافقين الّذين كانوا في المدينة المنوّرة، فالله سبحانه وتعالى يخاطب نبيّه الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم بألّا تزكّوا أنفسكم، ويجب على الإنسان ألّا يُعجبَ بنفسه وبعمله ويزكّي نفسه، ويتألّى على الله بأنّي فعلت هذا وفعلت ذلك، أنت لم تفعل لله سبحانه وتعالى، فصيامك وصلاتك وصدقتك لا تزيد من ملك الله سبحانه وتعالى ولا تنقص من مُلكه شيئاً، والله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسيّ: «يا عبادي، إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحدٍ منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحدٍ ما نقص ذلك من ملكي شيئاً»([1])، فلا يزكّي أحدٌ نفسه على الله سبحانه وتعالى ويتألّى عليه، وهناك دائماً أعمالٌ خالصةٌ لوجه الله تبارك وتعالى، فلنكثر من الأعمال الّتي تزكّينا عند ربّنا سبحانه وتعالى ولا نزكّي أنفسنا أمام النّاس ونعمل العمل ليقال عنّا: قد فعلنا كذا.

﴿بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾: الله سبحانه وتعالى هو العدل المطلق، ولا يظلم إنساناً شيئاً، يقول سبحانه وتعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ () وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾  [الزّلزلة].

 


([1]) صحيح مسلم: كتاب البرّ والصّلة والآداب، باب تحريم الظّلم، الحديث رقم (2577).

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ: تر فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة تعلق به الجار والمجرور بعده

يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ: فعل مضارع وفاعل ومفعول به والجملة صلة الموصول

بَلِ اللَّهُ: لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع وبل حرف إضراب
يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ: فعل مضارع واسم الموصول مفعوله وجملة يشاء صلة الموصول وجملة يزكي خبر المبتدأ الله
وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا: لا نافية وفعل مضارع مبني للمجهول الواو نائب فاعله فتيلا نائب مفعول مطلق أي: لا يظلمون ظلما قليلا
جملة (لا يُظْلَمُونَ): معطوفة على جملة محذوفة تقديرها: يحاسبون بعدل ولا يظلمون.

يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ: يمدحونها وهم اليهود الذين قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، وهو استفهام تعجبي أي ليس الأمر بتزكيتهم أنفسهم قال تعالى: (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) [النجم 53/ 32]

بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ: أي يطهر من يريد بالإيمان

وَلا يُظْلَمُونَ: ينقصون من أعمالهم، والظلم: النقص وتجاوز الحد، فله جانبان: سلبي وإيجابي.

فَتِيلًا: قدر قشرة النواة، والأدقّ: هو ما يكون في شق نواة التمر مثل الخيط. وبه يضرب المثل في الشيء الحقير، كما يضرب بمثقال الذرة.