الآية رقم (17) - أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ

﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ﴾: البيّنة: بصيرةٌ، وهي الفطرة السّليمة الّتي تُلفت الإنسان إلى وجود الله سبحانه وتعالى وتوضّح للإنسان أنّ هذا الكون الجميل البديع لا بدّ له من واجدٍ، وهكذا تكون الهداية بالبصيرة والفطرة، كما قال الأعرابيّ: “البعرةُ تَدلّ على البعير، والأثرُ يَدلُّ على المسير، فسماءٌ ذاتُ أبراجٍ، وأرضٌ ذاتُ فِجاجٍ، أفلا تدلُّ على العليّ الخبيرِ؟!”، فاهتدى الرّجل بالفطرة، وهي بيّنةٌ من الله سبحانه وتعالى.

﴿ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾: القرآن الكريم حجّةٌ ونورٌ، وهو يهدي البصيرة الفطريّة الموجودة في الإنسان، ﴿ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾ هو من أُنزل عليه الوحي؛ أي النّبيّ ﷺ، ونحن هنا أمام ثلاثة شهود: الشّاهد الأوّل هو الحجّة والبيّنة، الشّاهد الثّاني البرهان والبصيرة الّتي يهتدي إليها العقل والرّسول الّذي يبيّن لنا المنهج، ﴿ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً﴾: وهذا الرّسول جاء من قبله كتاب موسى عليه السّلام، وهو الشّاهد الثّالث، ومن لا يلتفت إلى المدلول بالأدلّة الثّلاثة فهو مقصّرٌ.

﴿ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾: إشارةٌ إلى الّذين التفتوا إلى الأدلّة.

﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ﴾: الكفر هو السّتر، وهو في ذاته دليلٌ على الإيمان، فالإنسان لا يكفر بشيءٍ غير موجودٍ، فالكافر يستر موجوداً، وبذلك هو دليلٌ على وجود الله عزّ وجلّ.

﴿ مِنَ الْأَحْزَابِ﴾: أحزاب جمع حزب، والحزب هو الجماعة الـمُلتقية على مبدأ تتحمّس لتنفيذه، مثل الأحزاب الّتي نراها في الحياة السّياسيّة.

﴿ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾: المقصود بهم هنا كفّار قريش، عبدة الأوثان والصّابئة واليهود وغيرهم الّذين لم يؤمنوا برسالة رسول الله ﷺ، كلٌّ منهم جماعة تمثّل حزباً، ومن يكفر من هؤلاء برسالة رسول الله ﷺ فالجزاء هو النّار.

﴿ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ۚ﴾: يقول الله سبحانه وتعالى لرسوله ﷺ: لا تكن في شكٍّ من ذلك؛ لأنّ رسالتك وبعثتك تقوم على أدلّة البيّنة والفطرة والهدى والنّور، والشّاهد معك كما شهد لك من قبل ما جاء في كتاب موسى عليه السّلام.

﴿ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾: والحقّ كما قلنا سابقاً هو الشّيء الثّابت الّذي لا يتغيّر ولا يعتريه أيّ تبديل، وهذا الحقّ لا يمكن أن يأتي إلّا من إلهٍ لا تتغيّر أفعاله.

﴿ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾: هؤلاء لا يؤمنون عناداً؛ لأنّ الأدلّة منصوبة بأقوى الحُجج، فمن يمتنع عليها فهو مُعَانِد.

«أَفَمَنْ»: الهمزة للاستفهام والفاء استئنافية ومن اسم موصول مبتدأ وخبره محذوف.

«كانَ»: كان واسمها محذوف.

«عَلى بَيِّنَةٍ»: متعلقان بخبر كان المحذوف.

«مِنْ رَبِّهِ»: متعلقان بمحذوف صفة لبينة والهاء مضاف إليه.

«وَيَتْلُوهُ»: الواو عاطفة ومضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الواو للثقل والهاء مفعوله والجملة معطوفة.

«شاهِدٌ»: فاعل مؤخر.

«مِنْهُ»: متعلقان بشاهد.

«وَمِنْ قَبْلِهِ»: الواو عاطفة ومتعلقان بالخبر المحذوف المقدم والهاء مضاف إليه.

«كِتابُ»: مبتدأ.

«مُوسى»: مضاف إليه والجملة معطوفة.

«إِماماً»: حال.

«وَرَحْمَةً»: معطوف على إماما.

«أُولئِكَ»: أولاء اسم اشارة مبتدأ والكاف للخطاب والجملة مستأنفة.

«يُؤْمِنُونَ»: مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة خبر.

«بِهِ»: متعلقان بيؤمنون.

«وَمِنْ»: الواو عاطفة ومن اسم شرط جازم مبتدأ والجملة معطوفة.

«يَكْفُرْ»: مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط وفاعله مستتر.

«بِهِ»: متعلقان بيكفر.

«مِنَ الْأَحْزابِ»: متعلقان بمحذوف حال.

«فَالنَّارُ»: الفاء رابطة للجواب والنار مبتدأ.

«مَوْعِدُهُ»: خبر والهاء مضاف إليه والجملة في محل جزم جواب الشرط وجملتا الشرط خبر من.

«فَلا»: الفاء عاطفة ولا ناهية جازمة.

«تَكُ»: مضارع مجزوم بالسكون المقدر على الحرف المحذوف واسمها محذوف.

«فِي مِرْيَةٍ»: متعلقان بالخبر المحذوف.

«مِنْهُ»: متعلقان بمحذوف صفة مرية والجملة معطوفة.

«إِنَّهُ الْحَقُّ»: إن واسمها وخبرها والجملة تعليل.

«مِنْ رَبِّكَ»: متعلقان بالحق والكاف مضاف إليه.

«وَلكِنَّ»: الواو عاطفة ولكن حرف مشبه بالفعل.

«أَكْثَرَ»: اسمها.

«النَّاسِ»: مضاف إليه والجملة معطوفة.

«لا يُؤْمِنُونَ»: لا نافية ومضارع مرفوع بثبوت النون الواو فاعل والجملة خبر.

بَيِّنَةٍ: حجة وبيان وبرهان من الله يدلّه على الحقّ والصّواب فيما يأتيه ويذره، والبيّنة:
هي القرآن، وهو حكم يعمّ كلّ مؤمن مخلص، وقيل: المراد به النّبي صلى الله عليه وسلّم، أو المؤمنون، وقيل:
مؤمنو أهل الكتاب.

وَيَتْلُوهُ: يتبعه.

شاهِدٌ له: بصدقه. مِنْهُ أي من الله، و «الشاهد» : الإنجيل، وقيل: جبريل، وقيل: القرآن، وقيل: النّبي صلى الله عليه وسلّم. وَمِنْ قَبْلِهِ أي الإنجيل، وقيل: القرآن.

كِتابُ مُوسى: التّوراة شاهد له أيضا.

إِماماً: كتابا مؤتّما به في الدّين.

أُولئِكَ: أي من كان على بيّنة، ويراد بكلمة فَمَنْ المعنى الجماعي.

يُؤْمِنُونَ بِهِ: أي بالقرآن، فلهم الجنة.

وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ: أهل مكة وجميع الكفار الذين تحزّبوا معهم على رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ: يردها لا محالة، أي مكان الوعد وهي النّار يردها.

فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ: في شكّ من الموعد المذكور، أو القرآن.

وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ: أهل مكة وأمثالهم.

لا يُؤْمِنُونَ: لقلّة نظرهم واختلال فكرهم.