﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ﴾: البيّنة: بصيرةٌ، وهي الفطرة السّليمة الّتي تُلفت الإنسان إلى وجود الله سبحانه وتعالى وتوضّح للإنسان أنّ هذا الكون الجميل البديع لا بدّ له من واجدٍ، وهكذا تكون الهداية بالبصيرة والفطرة، كما قال الأعرابيّ: “البعرةُ تَدلّ على البعير، والأثرُ يَدلُّ على المسير، فسماءٌ ذاتُ أبراجٍ، وأرضٌ ذاتُ فِجاجٍ، أفلا تدلُّ على العليّ الخبيرِ؟!”، فاهتدى الرّجل بالفطرة، وهي بيّنةٌ من الله سبحانه وتعالى.
﴿ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾: القرآن الكريم حجّةٌ ونورٌ، وهو يهدي البصيرة الفطريّة الموجودة في الإنسان، ﴿ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾ هو من أُنزل عليه الوحي؛ أي النّبيّ ﷺ، ونحن هنا أمام ثلاثة شهود: الشّاهد الأوّل هو الحجّة والبيّنة، الشّاهد الثّاني البرهان والبصيرة الّتي يهتدي إليها العقل والرّسول الّذي يبيّن لنا المنهج، ﴿ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً﴾: وهذا الرّسول جاء من قبله كتاب موسى عليه السّلام، وهو الشّاهد الثّالث، ومن لا يلتفت إلى المدلول بالأدلّة الثّلاثة فهو مقصّرٌ.
﴿ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾: إشارةٌ إلى الّذين التفتوا إلى الأدلّة.
﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ﴾: الكفر هو السّتر، وهو في ذاته دليلٌ على الإيمان، فالإنسان لا يكفر بشيءٍ غير موجودٍ، فالكافر يستر موجوداً، وبذلك هو دليلٌ على وجود الله عزّ وجلّ.
﴿ مِنَ الْأَحْزَابِ﴾: أحزاب جمع حزب، والحزب هو الجماعة الـمُلتقية على مبدأ تتحمّس لتنفيذه، مثل الأحزاب الّتي نراها في الحياة السّياسيّة.
﴿ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾: المقصود بهم هنا كفّار قريش، عبدة الأوثان والصّابئة واليهود وغيرهم الّذين لم يؤمنوا برسالة رسول الله ﷺ، كلٌّ منهم جماعة تمثّل حزباً، ومن يكفر من هؤلاء برسالة رسول الله ﷺ فالجزاء هو النّار.
﴿ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ۚ﴾: يقول الله سبحانه وتعالى لرسوله ﷺ: لا تكن في شكٍّ من ذلك؛ لأنّ رسالتك وبعثتك تقوم على أدلّة البيّنة والفطرة والهدى والنّور، والشّاهد معك كما شهد لك من قبل ما جاء في كتاب موسى عليه السّلام.
﴿ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾: والحقّ كما قلنا سابقاً هو الشّيء الثّابت الّذي لا يتغيّر ولا يعتريه أيّ تبديل، وهذا الحقّ لا يمكن أن يأتي إلّا من إلهٍ لا تتغيّر أفعاله.
﴿ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾: هؤلاء لا يؤمنون عناداً؛ لأنّ الأدلّة منصوبة بأقوى الحُجج، فمن يمتنع عليها فهو مُعَانِد.