الآية رقم (47) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً

نحن نزّلنا القرآن مصدّقاً لما معكم؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى واحدٌ، قال سبحانه وتعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ ]الشّورى: من الآية 13[.

﴿آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا﴾: آمنوا بما نزّلنا في القرآن الكريم، مصدّقاً لما معكم.

﴿مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَاً﴾: هنا وعيدٌ وتهديدٌ، نمحي هذه الوجوه فنردّها على أدبارها فتصبح مقلوبةً.

﴿أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ﴾: من هم أصحاب السّبت؟ هم من اليهود -وستأتي آيات تتعلّق بأصحاب السّبت- وقد منعهم الله سبحانه وتعالى من العمل في هذا اليوم، أي يوم السّبت، ليبتليهم بسبب كثرة جحودهم، فكانت حيتانهم تأتي شرّعاً يوم سبتهم من أجل أن يغريهم الله سبحانه وتعالى في يوم راحتهم، فأرادوا أن يحتالوا على شرع الله سبحانه وتعالى فوضعوا أسلاكاً لتحجزَ الأسماك الّتي تأتي يوم السّبت، وفي اليوم التّالي تكون موجودةً فيصطادونها، هذا احتيالٌ على شرع الله سبحانه وتعالى، وكان من الأفضل لهم لو أنّهم التزموا أوامر الله سبحانه وتعالى وصبروا عليها، ولم يصطادوا يوم السّبت لكان الله عزَّ وجلرزقهم يوم الأحد، لكنّهم كانوا بقيّة أيّام الأسبوع لا تأتيهم الأسماك ابتلاءً لهم.

﴿وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً﴾: الله سبحانه وتعالى وحده أمره مفعولٌ، وهو الفعّال لما يريد بمجرد أن أمرَ، يقول سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس]، إذاً أمره مفعولٌ ومنتهٍ؛ لأنّه سبحانه وتعالى لا يتغيّر، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشّورى: من الآية 11].

يا أَيُّهَا الَّذِينَ: سبق إعرابها

أُوتُوا الْكِتابَ: فعل ماض مبني للمجهول ونائب فاعله والكتاب مفعوله

آمِنُوا: فعل أمر مبني على حذف النون وفاعله

بِما نَزَّلْنا: جار ومجرور متعلقان بآمنوا

جملة «نَزَّلْنا» صلة الموصول

مُصَدِّقاً: حال

لِما: جار ومجرور متعلقان بمصدقا

مَعَكُمْ: ظرف متعلق بمحذوف صلة أي: للذي وجد معكم

مِنْ قَبْلِ: متعلقان بآمنوا

أنْ نَطْمِسَ: المصدر المؤول في محل جر بالإضافة

وُجُوهاً: مفعول نطمس

فَنَرُدَّها: عطف على نطمس والهاء مفعوله

عَلى أَدْبارِها: متعلقان بمحذوف حال أي: نردها ناكصة

أَوْ نَلْعَنَهُمْ: عطف على نردها

كَما لَعَنَّا: فعل ماض وفاعل وما مصدرية والمصدر المؤول في محل جر بالكاف والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف أي:

نلعنهم لعناً كلعننا أصحاب السبت

أَصْحابَ: مفعول به

السَّبْتِ: مضاف إليه والجملة استئنافية.

وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا: كان واسمها ولفظ الجلالة مضاف إليه ومفعولا خبرها والجملة معطوفة.

أُوتُوا الْكِتابَ: التوراة

نَطْمِسَ: الطمس: الإزالة، والمراد به هنا: محو آثار الإنسانية بإزالة ما في الوجوه من العين والأنف والحاجب، وترددت الكلمة في القرآن، مثل: (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) [يونس 10/ 88] أي أزلها وأهلكها، ومثل: (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) [يس 36/ 66] إما بإزالة نورها، وإما بمحو حدقتها

وُجُوهاً: جمع وجه: وهو الوجه المعروف، وطمسها: هو ردها إلى الأدبار وجعل أبصارهم من ورائهم، أو المراد: ألا نبقي لها سمعًا ولا بصراً ولا أنفاً. وقال ابن عباس: وطمسها: أن تعمى.وقد يطلق الوجه على اتجاه النفس: وهو ما تتوجه إليه من المقاصد، كما قال تعالى: (أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) [آل عمران 3/ 20] . وقال: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ) [لقمان 31/ 22] . وقال: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) [الروم 30/ 30] .

فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها: الأدبار: جمع دبر، وهو الخلف والقفا. والرد على الأدبار: جعلها كالأقفاء لوحًا واحدًا.

ويستعمل الرد على الأدبار إمَّا في الحسيات وهو الهزيمة أو الفرار في القتال، وإما في المعنويات: وهو الرجوع إلى الوراء أي العودة إلى الكفر، كما في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) [محمد 47/ 25] .

أَوْ نَلْعَنَهُمْ: أو نجزيهم بالمسخ كما مسخنا أصحاب السبت قردة وخنازير، وقيل: أو نهلكهم، كما أهلكنا أصحاب السبت.