إذاً إبطال مفعول الصّدقة يتمّ من خلال المنّ والأذى؛ لأنّ الإسلام هو إشاعة خير حتّى ولو بالكلمة الطّيّبة، فإذاً لا يجوز أن يكون هذا المال الّذي أنفقته سبباً لإيذاء الآخرين.
(الَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ): هذا مثل ضربه الله عزَّ وجلّ، مثل للإنسان الّذي يمنّ أو يؤذي حين ينفق، وأنت تعرف عند إنفاقك هل تنفق مراءاة للنّاس أم إنّك تؤمن بالله وتؤمن باليوم الآخر، وذكر هنا اليوم الآخر؛ لأنّ الأمر لا يتعلّق فقط في الدّنيا وإنّما يتعلّق بالحساب في الآخرة، أنت توزّع من مالك صدقات حتّى يُشاع في المجتمع، إذاً اذهب وخذ أجرك ممّن أنفقت لهم، أنت أبطلت مفعول الصّدقة وهو أن تأخذ الأجر من الله، ولا خوف عليك ولا على أولادك، ولا تحزن في الآخرة، ولا تخاف في الدّنيا على ذريّتك، أبطلت كلّ هذه المفاعيل ممّن عملت له والله سبحانه وتعالى أغنى الشّركاء عن الشّرك، عن شدّاد بن أوس رضي الله عنه قال: بينما أنا عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذ رأيت بوجهه أمراً ساءني فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله ما الّذي أرى بوجهك؟ قال: «أمر أتخوّفه على أمّتي من بعدي»، قلت: وما هو؟ قال: «الشّرك وشهوة خفيّة»، قال: قلت: يا رسول الله، أتشرك أمّتك من بعدك؟ قال: «يا شدّاد، أما إنّهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا وثناً ولا حجراً ولكن يراؤون النّاس بأعمالهم»([1])، وهذا هو الشّرك الخفيّ، وهذا ما أشارت إليه الآية القرآنيّة:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ)؛ لأنّ الّذي ينفق رياء النّاس لا يؤمن بالله، حتّى لو تعاملت مع الله سبحانه وتعالى لكن قد تضعف نفسك فتمنّ أو تتحدّث بما أعطيت؛ لذلك صدقة السّرّ هنا تكون أفضل إذا خفت من الرّياء.