هذه الآية العظيمة تبيّن أهميّة الصّدق، وكما قال نبيّنا ﷺ: «إنّ الصّدق يهدي إلى البرّ وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة، وإنّ الرّجل ليصدق حتّى يكون صدّيقاً»([1])، وعندما يقول المولى سبحانه وتعالى :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فالأمر يتعلّق بالإيمان، وعلى المؤمن تطبيق ما يُطلب منه، وقوله Y للمؤمنين: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ ؛ أي اجعلوا بينكم وبين غضب الله U وقايةً.
﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾: أي كونوا من الصّادقين، لكن لماذا قال: مع؟ هنا﴿مَعَ﴾بمعنى (من)، والمقصود أن يعطي هذا القول معنىً إجماليّاً عامّاً، وهناك فرقٌ بين: ﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ وبين: (كونوا من الصّادقين)، ﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ ؛ أي التحموا بهم فتكونون في معيّتهم، بحيث تكون لُحمة الصّدق لبناء المجتمعات هي الأساس، فالصّدق هو تطابق النّسبة الكلاميّة مع الواقع، وهو الخلّة الّتي تجمع الإيمان كلّه، عندما سأل أبو الدّرداء النّبيَّ صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هل يسرق المؤمن؟ قال: «قد يكون ذلك»، قال: فهل يزني المؤمن؟ قال: «بلى، وإن كَرِه أبو الدّرداء»، قال: هل يكذب المؤمن؟ قال: «إنّما يفتري الكذب من لا يؤمن»([2])؛ لأنّ مدخل الإيمان هو التّصديق بالقضيّة العقائديّة الجازمة، فالصّدق هو رأس الأمر كلّه.
كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾: أي لا تقولوا كلاماً لا يُصادقه الواقع، وكذلك إيّاكم أن تقولوا كلاماً يُناقض أفعالكم، وهذا هو الكذب، قال سبحانه وتعالى :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ ]الصّف[، ويقول سبحانه وتعالى : ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ ]البقرة: من الآية 177[، هذه هي صفات الّذين صدقوا، وهذه الآية الّتي نحن بصددها تبيّن بشكلٍ قاطعٍ مكانة الصّدق بالنّسبة لدين الإسلام.
(([1] صحيح البخاريّ: كتاب الأدب، باب قول الله تعالى: ﱣﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩﱪﱢ، الحديث رقم (5743).