هنا في جوّ الهجرة وجوّ أوّل لقاءٍ مسلّحٍ يتمّ بين الرّسول الكريم وبين المشركين الّذين هم أهله وعشيرته وأهل المهاجرين في مكّة، يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ) الخطاب للّذين آمنوا وهاجروا في ذلك الوقت بأنّه لا يجب أن تكون ولايتكم للمشركين وإن كانوا من آبائكم أو إخوانكم وعشيرتكم، فالوليّ هو الّذي يلجأ إليه الإنسان في كلّ أمرٍ، فيجب ألّا تولّوهم.
(إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ): قال: (اسْتَحَبُّوا ) ولم يقل: (أحبّوا) لماذا؟ لأنّ استحبّ فيها افتعال الحبّ، بينما الإيمان يكون بالفطرة، فالإنسان يولد مؤمنٌ بالفطرة، فعندما يستحبّ الكفر فهناك افتعالٌ، ولو تركوا الأمر لحبّهم ولهواهم ولقلبهم لاختاروا الإيمان على الكفر، أمّا لو قال: أحبّ، فيكون من غير افتعال.
(وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ): لأنّهم علموا الإيمان وعلموا الحقيقة وعلموا بأنّ الله سبحانه وتعالى هو الخالق والمدبّر وهو الّذي يجب أن يُطاع، فإن اتّبعوا هؤلاء المشركين الّذين يعبدون الأصنام والأوثان فقد ظلموا أنفسهم.