الآية رقم (43) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا

علينا أن ننتبه لأمرٍ، عندما يحرّم القرآن الكريم أمراً ما، فإن كان الأمر عقديّاً لا يأتي بالتّدريج، ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة]، ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا﴾ [النّساء: من الآية 36]، ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ [الصّمد]، الأمور المتعلّقة بالعقيدة تأتي مباشرةً لا تدريج فيها، أمّا ما ألِفهُ النّاس فيأتي تحريمه تدريجيّاً حتّى يُخرجَ النّاس من إلف ما اعتادوا عليه، فكان الخمر بالنّسبة إليهم كالماء فجاء قوله سبحانه وتعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [البقرة]، أوّل الأمر بيّن أنّ فيهما إثماً كبيراً، ترك الأمر، كَلَفتِ نظرٍ للنّاس، بعد ذلك وبعد أن فُرضت الصّلاة جاءت هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾، إذاً: العلّة الّتي بيّنها القرآن الكريم سبباً لتحريم الخمر وتحريماً مشدّداً هي ذهاب العقل؛ لأنّ الإنسان لا يعلم ما يقوله عندما يشرب الخمر، وبعد ذلك نُسخت هذه الآية وجاءت آية التّحريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة]، والاجتناب أشدّ من التّحريم

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: سبق إعرابها.

لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ: فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل والجملة مستأنفة

وَأَنْتُمْ سُكارى: مبتدأ وخبر والواو واو الحال والجملة حالية

حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ: المصدر المؤول من أن المضمرة بعد حتى والفعل تعلموا في محل جر بحرف الجر والجار والمجرور متعلقان بتقربوا واسم الموصول مفعول به وجملة تقولون صلة الموصول

وَلا جُنُباً: الواو عاطفة جنبا حال والتقدير ولا تصلوا جنبا أو لا تقربوا مواضع الصلاة جنبا ولا نافية

إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ: إلا أداة استثناء عابري مستثنى منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم وقيل إلا أداة حصر وعابري حال

حَتَّى تَغْتَسِلُوا: مثل حتى تعلموا والمصدر المؤول مجرور بحتى ومتعلقان بلا تقربوا

وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى: كان واسمها وخبرها وجملة كان في محل جزم فعل الشرط والجملة مستأنفة

أَوْ عَلى سَفَرٍ: عطف على مرضى «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ» فعل ماض وفاعل والجار والمجرور متعلقان بصفة لأحد والجملة معطوفة.

مِنَ الْغائِطِ: متعلقان بجاء

أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ: عطف كذلك

فَلَمْ تَجِدُوا ماءً: فعل مضارع مجزوم وفاعله ومفعوله والجملة معطوفة على كنتم

فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً: فعل أمر وفاعل ومفعول به الجملة في محل جزم جواب الشرط لأنها اقترنت بالفاء

طَيِّباً: صفة

فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ: فعل أمر تعلق به الجار والمجرور بعده والواو فاعله والجملة معطوفة على تيمموا وقيل الباء حرف جر زائد

وَأَيْدِيكُمْ: معطوف مجرور بالكسرة المقدرة.

إِنَّ اللَّهَ: إن ولفظ الجلالة اسمها.

كانَ عَفُوًّا: كان وخبرها واسمها محذوف.

غَفُوراً: خبر ثان.

لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ: لا تصلوا.

وَأَنْتُمْ سُكارى: جمع سكران وهو من شرب الخمر

جُنُباً: من أصابته الجنابة بالجماع أو إنزال المني.

والجنب: يطلق على المفرد وغيره.

إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ: مجتازي طريق أي مسافرين.

وقيل: المراد النهي عن قربان مواضع الصلاة، أي المساجد إلا عبورها من غير مكث.

مِنَ الْغائِطِ: المكان المنخفض من الأرض كالوادي، والمراد المكان المعد لقضاء الحاجة، وأهل البادية وبعض القرى يقضون حوائجهم في المنخفضات للستر عن أعين الناس.

والقصد من قوله: أو جاء أحد منكم من الغائط: أي أحدث.

أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ: كناية عن الجماع في رأي ابن عباس، وفي رأي ابن عمر والشافعي: بمعنى اللمس وهو الجس باليد، وألحق به الجس بباقي البشرة.

فَلَمْ تَجِدُوا ماءً: تتطهرون به للصلاة بعد الطلب والتفتيش في غير حال المرض.

فَتَيَمَّمُوا: اقصدوا.

صَعِيداً طَيِّباً: تراباً طاهراً فاضربوا به ضربتين.

والصعيد: وجه الأرض.

عَفُوًّا: ذا عفو وهو محو السيئة وجعلها كأن لم تكن.

غَفُوراً: ذا مغفرة، والمغفرة:ستر الذنب بعدم الحساب عليه.