﴿ وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾: لماذا لم يصدّقوا آيات القرآن الكريم وهي معجزةٌ بالنّسبة إليهم؟ الجواب: إنّ استقبال القرآن الكريم فرعٌ لتصديق الرّسول صلى الله عليه وسلم، وقد حدث هذا اللّبس عندهم؛ لأنّهم ظنّوا أنّ الآية هي الآية المحسوسة الكونيّة، فكانوا يريدون معجزةً مشهودةً مثل عصا موسى عليه السلام، وما علموا أنّ الآيات الّتي سبق بها الرّسل 4 جاءت لتناسب أزمان رسالاتهم ومواقعهم من المرسل إليهم، لذلك كانت حسيّةً كعصا موسى عليه السلام، ونار إبراهيم عليه السلام، وإحياء الموتى لعيسى عليه السلام…، أمّا رسالة النّبيّ محمّد صلى الله عليه وسلم فهي عامّةٌ لكلّ زمانٍ ومكانٍ، ولو جعل الله سبحانه وتعالى له آيةً حسيّةً؛ أي معجزةً مثل العصا لآمن بها من شاهدها فقط، ولأصبحت بالنّسبة إلينا خبراً لمن لم يشاهدها، ومعجزة رسول الله محمّد : الباقية إلى قيام السّاعة، هي القرآن الكريم، وقد تحدّثت كتب السّيرة بأنّ الماء نبع من بين أصابع النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وعن معجزة الإسراء والمعراج، وغيرهما الكثير، لكنّ المعجزة الأساسيّة الباقية هي معجزة القرآن الكريم، هنا يقول الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾، إذا دخلت (لولا) على جملةٍ اسميّةٍ فالمقصود بها عدم حدوث شيءٍ لوجود شيءٍ آخر، كقول إنسانٍ لآخر: لولا أنّ زيداً عندك لأتيتك، وبذلك ينعدم ذهابه إلى فلانٍ لوجود زيدٍ عنده، وبهذا تكون (لولا) حرف امتناعٍ لوجود، وكذلك كلمة (لو ما) إن وجدناها تدخل على جملةٍ اسميّةٍ فلنعرف أنّها امتناع شيءٍ لوجود شيءٍ آخر، أمّا إن دخلت (لولا) على جملةٍ فعليّةٍ فلنعلم أنّها للتّحضيض والعرض، وقد قالوا: ﴿ وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ وكأنّهم لا يعترفون بالقرآن الكريم، وطلبوا آيةً حسّيّةً، لذلك نجد الحقّ سبحانه وتعالى يقول في موقعٍ آخر في القرآن الكريم: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى﴾ ]القصص: من الآية 48[، وقولهم هذا كان تشبّثاً بالكفر مع أنّهم شهدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاشوا معه في أحواله كلّها، وحدثت الآيات الحسّيّة ورآها من آمن في ذلك الوقت، أمّا هم فلم يؤمنوا، ومنهم مَن طلب آياتٍ اقترحوها بأنفسهم على الله سبحانه وتعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92)﴾ ]الإسراء[، والآيات لا تكون باقتراح المرسَل إليهم، بل بتفضّل المرسِل سبحانه وتعالى، قال عز وجل: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ﴾ ]الإسراء: من الآية 59[، على ذلك يكون قولهم بطلب الآيات مدحوضاً؛ لأنّ الحقّ سبحانه وتعالى قد أرسل الآيات من قبل وكذّب بها الأوّلون.
﴿ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ﴾: يعلّم الحقّ سبحانه وتعالى رسوله جواباً احتياطيّاً؛ أي من الممكن أن يُنزّل الحقّ سبحانه وتعالى آيةً حسّيّةً ومن الممكن ألّا يُنزّل، فرسول الله ﷺ لا يحكم على ربّه جل جلاله؛ لأنّ الغيب أمرٌ يخصّه سبحانه وتعالى وحده، إن شاء جعل ما في الغيب مشاهداً وإن شاء جعله غيباً مُطلقاً، وليس عليكم إلّا الانتظار، ويعلن رسول الله ﷺ أنّه معهم من المنتظرين.