﴿وَهَذَا﴾: الحديث هنا عن القرآن الكريم، ﴿وَهَذَا﴾: إشارةٌ لشيءٍ تقدّم، وعندما تأتي: ﴿وَهَذَا﴾ إشارةٌ لمتعيَّنٍ لا ينصرف الذّهن إلّا إليه، ولا ينصرف الذّهن إلّا إلى القرآن الكريم لعظمة كتاب الله جلَّ جلاله.
﴿كِتَابٌ﴾: لأنّه مكتوبٌ في السّطور محفوظٌ في الصّدور، هذا الكتاب كُتب بعد أن حُفظ واسُتخرج من صدور الحافظين.
﴿أَنزَلْنَاهُ﴾: وهو الإنزال من الله سبحانه وتعالى عن طريق جبريل الأمين عليه السَّلام، قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾ [الدّخان].
﴿مُبَارَكٌ﴾: أكثر صفةٍ وردت في كتاب الله سبحانه وتعالى هي ﴿مُبَارَكٌ﴾، ومباركٌ، أي: هناك حجمٌ، هذا الحجم لا يتناسب مع العطاء، لا تنقضي عجائبه، هذا يقرأ القرآن الكريم فيأخذ منه، وهذا يقرأ القرآن الكريم فيأخذ منه، وهذا يقرأ القرآن الكريم منذ ألف عامٍ، فيأخذ منه ويصلح له، وهذا يقرأ القرآن بعد ألف عامٍ وحتّى يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومن عليها فيأخذ منه.. فإذاً عطاؤه متجدّدٌ، وإذا مثّلنا الأمر بالطّعام الّذي يكفي اثنين، فأكل منه عشرةٌ فنقول: هذا الطّعام فيه بركةٌ، أي أنّ حجمه قليلٌ ولكنّ عطاءه كبيرٌ، مباركٌ، عطاء القرآن يتناسب مع قدرة العقول البشريّة في كلّ زمانٍ، فأنت في كلّ زمنٍ تأخذ من القرآن الكريم ما يناسب عقلك البشريّ، فعندما تقرأ وأنت في القرن الواحد والعشرين أو الثّاني والعشرين أو الثّالث والعشرين أو الرّابع والعشرين فإنّك ستجد بأنّ كلّ كلمةٍ من كتاب الله سبحانه وتعالى تتناسب مع استطاعة وقدرة العقل بما استوعب من علومٍ واكتشافاتٍ حديثة، وهي لا تناقض القرآن الكريم؛ لأنّه كلام الله سبحانه وتعالى المنزّل على رسوله محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم، وعجائبه لا تنقضي كما قال النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الّذي رواه سيّدنا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنها ستكون فتنة»، قال: قلت: فما المخرج؟ قال: «كتاب الله، فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبّار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى -أو قال: العلم- من غيره أضلّه، هو حبل الله المتين، وهو الذّكر الحكيم، وهو الصّراط المستقيم، وهو الّذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يَخْلقُ عن كثرة الرّدّ، ولا تنقضي عجائبه»([1]).